"استشهد الغالي عمر والمنزل ليس أغلى منه، بل كل ما نملك فداءً لروحه، فقد أذلّهم في حياته، ولا أسف على منازل الدنيا، لأنّه اختار منزلاً في الجنة، وافتدى الأمة، ورفع رأسنا ورأس فلسطين والعرب والمسلمين والمناضلين من أجل الإنسانية، وستبقى عزيمتنا أقوى منهم".
بهذه الكلمات عبّر والدا الشهيد عمر أبو ليلى، أمين وغدير لـ"اللـواء" بعد هدم قوّات الاحتلال الإسرائيلي منزلهما فجر أمس (الأربعاء) في بلدة الزاوية - غرب سلفيت.
فقد حوّلت قوّات الاحتلال أمس، بلدة الزاوية إلى ثكنة عسكرية، باقتحام قوّة كبيرة بأكثر من 40 آلية و300 جندي وجرّافتين عسكريتين كبيرتين، وارتكبت على مدى 10 ساعات سلسلة من الجرائم من خلال:
- هدم منزل عائلة الشهيد أبو ليلى، بواسطة التفجير مرّتين عند السادسة والسابعة من صباح أمس، قبل أنْ تُتبع ذلك بهدمه بواسطة جرّافتين عسكريتين كبيرتين.
- الأضرار التي لحقت بالمنازل المجاورة للمنزل، الذي يقع في الطابق الثاني من مبنى مؤلّف من طابقين، ويضم 4 شقّق.
- إخلاء سكان المنازل المجاورة، وحجزهم في العراء، رغم الطقس القارس، في مدرسة البلدة منذ ما قبل منتصف ليل أمس الأوّل وحتى بعد التفجير.
- تعطيل الدراسة وشل الحركة في البلدة.
فقد أصرّت قوّات الاحتلال على هدم منزل الشهيد أبو ليلى، انتقاماً من العملية البطولية التي نفّذها صباح يوم الأحد 17 آذار الماضي، عند "دوار أرئيل" - شمالي سلفيت، فطعن الجندي غال كيديان قبل أنْ يجرّده من سلاحه M16 ويرديه، ثم أطلق النار باتجاه الحاخام المستوطن احيعاد اتينغر فأرداه، واستولى على سيارته، وانطلق بها، فأصاب جندياً أمام مستوطنة "غيتي افيخاي"، وتوارى في بروقين إلى أنْ استشهد في مواجهة بطولية ضد قوّة كبيرة للاحتلال في قرية عبوين - شمال غربي مدينة رام الله، ليل الثلاثاء (17 منه)، بعد إصابته ضابطاً برتبة مقدّم من وحدة "اليمام" الإسرائيلية الخاصة، وقامت باحتجاز جثمان الشهيد عمر.
ورفضت "المحكمة العليا" الإسرائيلية التماساً بإلغاء قرار الهدم العقابي، حيث أمهلت عائلة أبو ليلى حتى مساء الإثنين 23 نيسان لإخلاء المنزل.
وقبل انقضاء ليل الإثنين، اقتحمت قرابة العاشرة والنصف ليلاً، قوّة كبيرة للاحتلال، تضم أكثر من 40 آلية عسكرية و300 جندي وجرافتين كبيرتين بلدة الزاوية، وقامت بقطع الطرقات ومنع المواطنين من الوصول إلى منازلهم أو التجمهر، حيث وقعت مواجهات بين شبان البلدة وجنود الاحتلال، الذين انتشروا في مختلف شوارع وأحياء الزاوية، وأقدموا على إطلاق قنابل الصوت والغاز المسيّل للدموع، لتفريق الشبان، الذين ألقوا الحجارة باتجاه المهاجمين.
وترافق ذلك مع تحليق طائرات مسيّرة، تسجّل وقائع كل ما يجري على الأرض.
وضربت قوّات الاحتلال طوقاً أمنياً حول منزل الشهيد أبو ليلى، الذي أُخلِيَ مع عدد من المنازل المجاورة من السكان، بعدما قام جنود الاحتلال باستفزاز عائلة الشهيد أبو ليلى والمواطنين.
وعملت طواقم الهندسة في جيش الاحتلال على مباشرة الهدم من داخل المنزل، الذي يقع في الطبقة الثانية، والبالغة مساحته 120 متراً، ويُقيم فيه 7 أفراد، وذلك قبل تفخيخه وتمديد شبكة توصيل العبوات والتفجير، الذي تمّ على دفعتين عند السادسة والسابعة صباحاً، وعندما لم يتفجّر بكامله، تولّت جرافتان عسكريتان عملية الهدم، قبل أنْ تنسحب القوّة قرابة الثامنة والنصف صباحاً.
وأدّت قوّة الانفجارات إلى ارتفاع سحب الدخان، وتضرّر عدد من المنازل المجاورة، التي أُصيبت بتصدّعات.
وبقيت غرفة عمر صامدة، على الرغم من تضرّرها بشكل جزئي وبسيط، مقارنة بما حلَّ بالمنزل، وانسحبت قوّات الاحتلال قرابة الثامنة والنصف صباحاً.
ووقف أمين وغدير أبو ليلى فوق ركام منزلهما المدمّر، متماسكين ومبتسمين وهما يستقبلان أبناء بلدتهما والقرى المجاورة، الذين وفدوا للتضامن مع العائلة.
الأم غدير المكلومة بولدها، قالت: "الاحتلال أراد من هدم المنزل قهري وقهر والده، لكن النتيجة جاءت عكسية عليه، فهم مخطئون، لن يستطيعوا قهرنا، أو هدم عزيمتنا، سنبقى صامدين، وعزيمتنا قوية، وآخر همّي هدم المنزل، وعمر شهيد ينتظرني في الجنة، الله يرضى عليك يا عمر، هم يحبّون الدنيا، ونحن نحب الآخرة، وهمّي الآخرة".
وأضافت أم الشهيد بصبر وإيمان وثقة: "على والدة كل شهيد أنْ تصبر على أي انتقام من الاحتلال الإسرائيلي، وإنْ شاء الله ستتحرّر فلسطين منهم، ويأتي أمثال عمر لكي يحرّروها".
أما الوالد أمين أبو ليلى، فقال: "المنزل لا يساوي شيئاً، وعزيمتنا أقوى من جبروت الاحتلال، وكل ما نملك هو فداء لروح عمر الطاهرة ولفلسطين، لم يكن همّ الفلسطيني يوماً المنزل وحجارته".
وأضاف وهو يقف على أطلال المنزل: "لقد بنيتُ منزلي فوق منزل أهلي في العام 2006، حينها كان عمر طفلاً يبلغ من العمر 6 سنوات، ومن عاداته اليومية تقبيلي وأمه، قبل أنْ ينزل إلى منزل جدّته ليحتضنها".
وأوضح أنّه "سيُقيم مؤقتاً لدى شقيقه".
وهنا تدخّلت والدته المسنّة قائلة: "أنا أضعه في عيني، منزلي ومنازلنا جميعاً له ولأسرته".
ورفعت يديها إلى السماء مبتهلة: "الله يرضى عليك يا عمر، يرضى عليك يا حبيبي، يرضى عليك يا روحي".
وعلى مقربة من المكان كان أفراد العائلة يتابعون ما حدث، وبينهم شقيقة الشهيد عمر، الصغرى مجد (9 سنوات) "دلّوعته"، فهي الوحيدة بين 4 صبيان، كان يلاعبها ويحرص على مشاهدة التلفزيون معها، قبل أنْ يأخذها لتنام قربه، ثم يوصلها صباحاً إلى المدرسة.
مجد مشتاقة إلى عمر، لكنها قالت: "عمر راح على الجنة، ورح نلتقي هناك".
واعتدى جنود الاحتلال على طواقم الإعلام، وفي مقدّمهم طاقم تلفزيون فلسطين، فضلاً عن تسليط إضاءة جيب عسكري باتجاه طواقم التصوير لمنع نقل ما يجري، لكن على الرغم من ذلك، فإنّ تلفزيون فلسطين قام بنقل مباشر لعملية الاقتحام والهدم من الداخل، ثم التفجير، ومواصلة الهدم.
ومباشرة، بعد هدم الاحتلال لمنزل عائلة الشهيد أبو ليلى، أطلقت حركة "فتح" بمشاركة مؤسّسات محافظة سلفيت مبادرة لإعادة بناء منزل للعائلة في بلدة الزاوية.
وجرى تشكيل لجنة خماسية قامت بشراء قطعة أرض جديدة في البلدة، حيث باشرت الآليات العمل على التجريف والحفر فيها تمهيداً لبناء منزل جديد يُتوقّع أنْ ينتهي العمل فيه خلال 4 أشهر.
ما زال عمر أبو ليلى يؤرق الاحتلال حتى بعد استشهاده، فيختطف جثمانه، ليضاف إلى 42 شهيداً يحتجزهم منذ العام 2015.
لقد أضحى إسم عمر أبو ليلى وصوره بعد استشهاده، تُؤرق الاحتلال الإسرائيلي، فكيف بالصامدين المرابطين أن يخافوا المحتل الغاصب، والطيور لم يرهبها تفجير الاحتلال لمنزل عائلة الشهيد؟!