يستمر التصعيد الاميركي في المنطقة التي تتجه الى صيف متوتّر، من إيران، الى سوريا والعراق، وصولا الى لبنان الذي يتأثّر بكل التغييرات والتطورات التي تحدث حوله. إيران لن تستسلم أمام الأمر الواقع، ولا يبدو أيضًا أن الدول الأسيويّة التي تستفيد من النفط الإيراني ستصمت أيضًا، ولعل الردّ الإيراني الاوضح لكل ما يجري جاء في التعيينات الإيرانيّة العسكرية.
لا تزال ردود الأفعال على كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتوالى، خصوصاً بعد تهديده بمنع إيران من استخدام مضيق هرمز إضافة لتصفير إصدار النفط الإيراني، وأمام هذه التهديدات المتكرّرة، وقبل بضعة أيّام من موعد 3 أيار (التاريخ الذي أعلنه ترامب لاطلاق الحزمة الجديدة من العقوبات على طهران)، حذّر المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة في إيران السيد علي خامنئي من مهبّة هذه الخطوات، متحدّثا عن ردّ إيراني متوقّع، اولى تباشيره كانت بالتغييرات على صعيد الهيكليّة التنظيميّة للحرس الثوري الإيراني الذي كان قد وضع على لائحة الإرهاب الأميركيّة.
ففي خطوة مفاجئة، أعلن المرشد الأعلى إعفاء قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري من مهامه وتعيين اللواء حسين سلامي مكانه. هذه الخطوة لم تكن كـ"إجراء تأديبي" لجعفري، فرغم أنّ القانون ينص على أنّ قائد الحرس يبقى بمنصبه لعشر سنوات، تمّ تمديد ولايته في عام 2017 حتى نهاية العام 2020، حتى صدر قرار خامنئي الأخير.
كما ان هذا الإعفاء لم يكن هدفه تهميشه بل تمّ تعيينه لقيادة مركز "بقيّة الله" وهو أحد أهم المراكز الثقافيّة في إيران، والتي تعتبر رأس حربة الجمهورية الإسلامية في مواجهة ما تسميه الحرب الناعمة. ولكن هذا التغيير لم يتعلّق بالشخصيّة القديمة بل بالقادمة، ولمعرفة ارتباط هذه الخطوة بالأحداث التي تمرّ بها إيران، يجب معرفة خلفيّة سلامي، وأفكاره ورؤيته حول العلاقات مع أميركا، لأنّ فصل هذه الخطوة عن الاجراءات المتعاقبة من واشنطن على طهران هو أمر صعب.
سلامي، الذي يشتهر بعبارته "ليتعلّم (رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين) نتانياهو السباحة، لأنه لن يكون أمامه الا البحر للهروب"، يتميّز بحزمه وصلابة موقفه في القضايا المتعلقة بأميركا واسرائيل. كما أنّ المسار الجديد الذي بدأته واشنطن منذ بضعة أشهر تجاه إيران، بات يحتاج شخصيّة متشدّدة تجاه الولايات المتّحدة.
إذا تبوأ الرجل الذي قال بيوم من الأيام أن "ردّ إيران على تفتيش المواقع العسكريّة الايرانيُّة هو الرصاص المذاب"، المنصب العسكري الأول في إيران، وفي هذا التعيين رسالة عسكرية لاسرائيل واميركا، فالتضييق الاقتصادي المطلق على طهران لن يمر دون "مقاومة"، وإن لم تُحدّد طريقتها بعد، الا أن بوادرها بدأت، وهي لن تقتصر على إيران وحلفائها فحسب، بل قد تصل الى الدول الآسيويّة التي تشتري النفط الإيراني.
عند إطلاق واشنطن "رزمة" العقوبات الاخيرة على طهران نهاية العام الماضي، منحت الاستثناء لعدة دول أبرزها الهند التي تستورد 500 ألف برميل يوميا، والصين التي تستورد 650 ألف برميل، وتركيا التي تستورد 165 الف برميل يوميا، وبعض الدول الاوروبية، من أجل استمرار استيراد النفط الإيراني واستقرار السوق النفطي عالمياً، وهذا الاستثناء لدول آسيا الكبيرة لم يكن وليد صدفة، بل لعلم واشنطن أن هذه الدول لا يناسبها سوى شراء النفط الإيراني، وبالتالي فإنّ دوائر القرار في واشنطن متخوّفة من ردّة الفعل الصينيّة بالتحديد بعد إلغاء الاستثناء، الامر الذي تعوّل عليه إيران أيضًا ألاّ "تنبطح" كل دول العالم أمام الولايات المتحدة.
قد يكون من المستبعد أن تندلع الحرب العسكريّة المباشرة بين إيران وأميركا، ولكنه لن يكون مستبعدا بعد الاجراءات الأميركيّة الجديدة أن تصبح أماكن تواجد الفريقين في المنطقة اماكنَ ساخنة، ولذلك فالجميع ينتظر شهر أيّار لرؤية كيف ستكون الجولة الجديدة من المعركة بين البلدين، والتي على أساسها سيتّخذ الصراع في المنطقة شكلا جديدا.