لمع اسم المواطن السويدي جوليان اسانج منذ قرابة العقد من الزمن، حين باتت الشركة التي اسسها "ويكيليكس" على كل شفة ولسان، نظراً الى المعلومات السريّة التي سرّبها بعد ان تمكن من الحصول على مئات الوثائق حول محادثات ومفاوضات لمسؤولين على اعلى المستويات، وبالتحديد في الولايات المتحدة الاميركيّة. هذا الامر لم يعجب بالطبع هؤلاء المسؤولين، الذين عقدوا العزم على النيل منه، مهما كان الثمن. وبدأت حرب ضروس استهدفته، تخللها اتهامات له بارتكابات ومخالفات قد تكون صحيحة وقد لا تكون، الا انه في نهاية المطاف، وبعد ازدياد الضغوط، لجأ الى سفارة الاكوادور حيث بقي فيها سبع سنوات. ولكن، منذ العام 2017 مع انتخاب رئيس جديد للبلاد هو لينين مورينو، بدأت الامور تتعقد بالنسبة الى اسانج، الى ان رفع مورينو شروط اللجوء الى السفارة وبات اسانج في السجن.
اليوم، وازاء هذا الواقع، انقسمت الآراء حول اسانج، فمنهم من رأى فيه انه "وحش" ارتكب افعالاً شائنة وممارسات يستحق عليها ان يدخل السجن، ومنهم من رأى انه تعرّض لمؤامرة طويلة الامد انتهت بزجه في السجن وانتظار ما سيسفر عنه الانتقام الاميركي. وجهة النظر الاولى تبنّاها اناس اكدوا ان اسانج ليس بـ"الملاك" كما صوّر نفسه، وانه لا يمكنه الاختباء خلف ستار الحريات العامة وكشف المستور، كي ينفذ بأفعال يعاقب عليها القانون، ولم يعد من الممكن التغاضي عنها حتى باعتراف سلطات الاكوادور التي اكدت انه خالف شروط لجوئه الى السفارة.
اما مؤيدو وجهة النظر الثانية، فيشيرون الى ان المسألة بأكملها "مركّبة"، وانهم يراهنون على وصول اسانج الى الولايات المتحدة الاميركية وليس الى اي بلد آخر رغم ان الاتهامات الموجّهة اليه تصلح لمحاكمته في بلدان اخرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر: السويد. ويضيف هؤلاء ان كل ما حصل يصب في هذه الخانة، فالمعارك التي خسرتها السلطات الاميركية ضد اسانج لم تنه الحرب وكانت الكلمة الاخيرة لها، عبر اتّباع سياسة النفس الطويل وتحويل الشعور العارم المؤيد له من قبل الرأي العام، الى شعور مشكّك على الاقل بأفعاله، ان لم يكن شعور استياء من الاتهامات التي تطاله. وبذلك، يريد الاميركيون افهام الجميع ان اسانج، على غرار الجندي برادلي مانينغ (الذي سرّب الوثائق السرية الاميركية الى ويكيليكس وتحوّل الى تشيلسي مانينغ)، لن يفلت من قبضتهم وان العقاب سيطاله مهما تأخّر الوقت، والعبرة ستكون لغيره ولكل من يفكّر مستقبلاً في محاولة تسريب وثائق سريّة الى العلن. المعضلة الحقيقيّة التي يجب التوقف عندها، تتعلق بما اذا كان يمكن الوثوق بالانظمة الدولية المتّبعة ام لا، وكيفيّة التعاطي مع وثائق بالغة السريّة يحصل عليها افراد ومؤسسات، رغم كونها اصليّة. المؤسسات الاعلامية العالميّة كانت اتّخذت موقفاً في هذا الاتجاه يحفظها من ايّ مشاكل، وذلك عبر اختيارها لما تنشره، ولكن أليس من حق الناس ان تعرف ماذا يخطط له المسؤولون وما الذي ينتظرهم من سياسات تتعلق بدولهم وربما بمصيرهم؟!.
يترقب العالم المصير الذي سيواجهه اسانج، فهل سيتم تسليمه الى الولايات المتحدة، ام انه سيحاكم في بلد آخر، وهل التهم التي طالته هي التي ستؤدي به الى الجسن او ربما الى الاعدام، ام ان تهمة تسريب الوثائق ونشرها هي التي ستكون في الواجهة، فتتعزز بذلك نظريّة اصحاب وجهة نظر "المؤامرة" التي حِيكت ضد اسانج وجعلته يصل الى مصير مشؤوم وفق كمين محكم نصب له، وحوّله من شهيد للحريّة الى ذئب في ثياب حمل؟.