أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أنه "جلجلة فعذابات فمقاومة فقيامة، معاناة وانتصار يختصران مسيرة شهداء المجازر الأرمنية ومجازر سيفو"، مشيراً إلى أنه "من ألم آبائكم واجدادكم أزهر ربيعكم، ومن عمق جراحاتهم ومعاناتهم تفتّحت براعمه، ومن عرق نضالهم وزرعهم المبارك كان الحصاد وفيراً".
وخلال احتفال بذكرى الإبادة الأرمنية في معراب، أوضح جعجع أن "هذه الثمار الصالحة من ذلك الزّرع المقدّس في أرمينيا ومرعش، وكيليكيا، وسيس، وسنجق وشرشبوك وآراكس وطور عبدين وديار بكر والرها وماردين. إنّ هذه الأشبال من تلك الأسود"، مشددا على أنه "في الذكرى الـ 104 للمجازر الأرمنيّة ومجازر سيفو التي حصلت بحقّ الشعوب السّريانيّة والأشوريّة والكلدانيّة، 104 تحيات وتحيّة لشهداء الحقّ والواجب والإنسانيّة و104 تحيّات وتحيّة من مقرّ القوات اللبنانية، ومن كلّ منطقة لبنانيّة عرفت مثلكم معنى النّضال والشّهادة والبطولة والحريّة".
ولفت جعجع إلى "أننا نلتقي اليوم هنا كما في كلّ سنة، لا لنحيي ذكرى المجازر فحسب، بل لنجدّد الولاء للقضيّة الأرمنيّة والقضيّة السّريانية والأشوريّة والكلدانيّة التي لم تمت ولن تموت على الرّغم من السّنين والعقود، ويكفيها فخراً أنّها لم ترتوِ من الخلود والمجد والذّكرى على الرّغم من عشرات السّنين، بينما المجرمون لن يشبعوا موتاً وبلاءً ولعنات الى ابد الآبدين، ويكفيها فخراً أنها تزيّنت مؤخّراً بأيقونة المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم ولن تنزعها قبل إطلاق سراحهما أو الكشف عن مصيرهما"، مشيراً إلى أنه "يكفيها فخراً أنّ شعوباً مثل شعوبكم، يضاف إليها مجموعة كبيرة من الشّعوب الصّديقة، تحمل هذا الإيمان وهذه الصّلابة وهذا الالتزام تتبنّى تلك القضيّة وتبقيها حيّةً وتحفظها أيقونةً مقدّسةً في قدس أقداسها على مرّ الأجيال".
واعتبر أن "كلّ ليل يحمل في طيّاته بذور فجره ونهاره، وكلّ استشهاد يحمل في ذاته بذور قيامته وانتصاره، وكلّ جلجلة تحمل بذاتها بذور ربيعها، وكلّ شهيد من آبائكم وأجدادكم حمل لكم بدمائه بذور الأمل والرّجاء بغد أكثر إشراقاً، وعدالةً وإنسانيّة"، مؤكداً أنه "صحيح أنّ شهداء المجازر خسروا حياتهم لكنّهم ربحوا خلود ذكراهم، وصحيح أنّهم خسروا أراضيهم وممتلكاتهم، لكنّهم ربحوا شرفهم وكرامتهم وصحيح أنّهم قاسوا كلّ أنواع القهر والعذابات بسبب قناعاتهم وإيمانهم، لكنّهم أقبلوا على حمل صليبهم بفرح عظيم".
وأكد أنه "لا تبكي يا أرض أرمينيا التّاريخيّة ويا أرض مذابح سيفو في ذكرى شهدائك الأبرار بل افرحي وهلّلي اليوم بأبنائهم وأحفادهم الأحياء الذين ضمّدوا جراحاتهم وكفكفوا دموعهم ولملموا ذكرياتهم المبعثرة، وتسلّحوا بإيمان يزحزح الجبال وحملوا محبّة وطنهم والقضيّة في قلوبهم حيثما حلوا، وأكملوا المسيرة حتّى يتذوقوا نصراً ولو بعد حين، أو يكونوا شهداء للحقّ حيث الموت عرس فخر للأبطال".
ورأى أن "النّصر صبر ساعة، وانتصار قضيّة الشّعوب المشرقيّة المقهورة سيكون مدوّياً وحاسماً ونهائيّاً لأنّه صبر أجيال وأجيال، فنم قرير العين يا شهيد المذابح والظّلم والقهر والتّجويع من أرمينيا الكبرى الى لبنان الكبير وما بينهما، فالذين يتابعون مسيرتك حراّس ساهرون مؤتمنون على إرثك وتضحياتك ونضالك، وما رح ينعسوا الحرّاس، ونم قرير العين فتضحياتك وحدت الشّعوب المشرقيّة في المعاناة والوجدان والاستشهاد ووحّدت إحساسها بالمصير المشترك وقربت المسافات بينها، ونم قرير العين ولا تقلق لأنّ القضيّة الإنسانيّة العظمى التي حملت لواءها ستزهر حريّةً وديموقراطيّةً وعدالةً ومساواةً فوق التّراب المشرقيّ الذي جبل بعرقك ودموعك ودمائك، وقد بدأت تزهر فعلاً".
وأضاف "نم قرير العين ولا تقلق لأنّ القضيّة الإنسانيّة العظمى التي حملت لواءها ستزهر حريّةً وديموقراطيّةً وعدالةً ومساواةً فوق التّراب المشرقيّ الذي جبل بعرقك ودموعك ودمائك، وقد بدأت تزهر فعلاً"، مشيراً إلى أنه "لقد نبذهم تاريخهم بالذات قبل أيّ تاريخ. نم قرير العين فبدمائك خطّيت العناوين العريضة لشرعة حقوق الإنسان، ووضعت ضوابط أخلاقيّةً وقيميّةً في التّعاطي الإنسانيّ، حتّى ولو بقي الشّرّ يذرّ بقرونه من هنا او هناك ليعيد تذكيرنا بوجوده بين الحين والحين، نم قرير العين لأنّك لم تختر الهوان ولم ترضخ لمنطق الذمّية والانهزام والاستسلام، بل قاومت، وباستشهادك انتصرت، واختزنت لنا من بعد رحيلك بـ 104 أعوام فائضاً من الشّموخ والعزّة والعنفوان يكفينا مئات السّنوات، فإلى روحك الطّاهرة الف تحيّة وتحيّة وسلام".
وشدد على أن "اللّقاءات الأهمّ هي التي تحصل على مستوى الرّوح قبل التقاء الشّعوب والأفراد، وبين القوات اللبنانيّة وبينكم التقاء روحيّ عميق عمره من عمر المقاومة المشرقيّة المحقة في هذه الأرض"، موضحا أنه "حتّى قبل أن يهجّر اجدادكم الى لبنان ويتلاقون في الجيرة والجغرافيا مع اللبنانيين، وقبل أن تحمل المقاومة اللبنانيّة اسم القوات اللبنانية الحاليّ".
وأكد أن "قضيّة الشّعوب الأرمنيّة والسّريانيّة والأشوريّة والكلدانيّة لم تبدأ اواخر القرن التاسع عشر وتنته في اوائله فحسب، وإنّما هي بدأت مع قايين وهابيل، واستمرّت مع كلّ كرامة إنسانيّة منتهكة وكلّ حقّ مغتصب وكلّ حريّة مسلوبة"، معتبراً أن "مقاومة هذه الشّعوب المشرقيّة لا تنحصر عند حدود المجازر الأرمنيّة ومجازر سيفو فحسب، بل تشمل كلّ شعب مضطهد ومظلوم في كلّ مكان وزمان"، لافتاً إلى أنه "صحيح أنّ وحشيّة السّلطنة طالت الأرمن والسّريان والأشوريين بشكل أساسي، لكنّها لم توفّر في طريقها القوميين العرب والشّعوب العربيّة واللّبنانيين، فتساوى الجميع، مسلمون ومسيحيون، في المظلوميّة، وتلاشت كلّ عصبيّة دينيّة أمام هول الوحشيّة وأمام وحدة القضيّة الإنسانيّة".
ورأى أنه "من أرمينيا الى لبنان مروراً بسوريا، إنسان واحد، معاناة واحدة، قضية واحدة"، مشيرا إلى أنه "بعضاً من حقوقكم المعنويّة قد وصلكم ايضاً، بمجرّد أنّ شعوباً وأمماً وسياسات دوليّةً تعامت عن آلامكم وصمّت آذانها عن اوجاعكم في البداية، وعادت وأقرّت بحقوقكم المشروعة في النّهاية"، لافتا إلى أنه "ما بين البداية والنّهاية عمل كبير، وإصرار أكبر، والتزام وصمود من قبلكم أكبر وأكبر وأكبر. فهنيئاً لكم كلّ هذا الإيمان۔".
وشدد على أن "التعتيم الإعلاميّ ومحاولة إخفاء معالم الجريمة الكبرى وسياسة اللامبالاة التي رافقت وتلت مراحل جلجلة الشّعوب المشرقيّة، عادت وتفجرت اليوم تغطية إعلاميّةً كبيرةً وانخراطاً على مستوى المنظّمات الحقوقيّة أعاد تظهير فصول هذه المعاناة واستحضارها لدى الرّأي العام الدّوليّ، ولو بعد قرن من الزّمن. ففي النّهاية لن يصحّ إلّا الصّحيح".
ورأى أن "شهداء الإبادة الأرمنيّة وشهداء سيفو ليسوا شهداء المسيحيّة المشرقيّة فحسب، بل شهداء كلّ الشّعوب المشرقيّة، وشهداء الإسلام المعتدل الذي يناضل بدوره أيضاً حتّى تعمّ روح المحبّة والإخاء والسّلام والمساواة في هذا الشّرق"، مشيراً إلى أنه "صحيح أنّنا اليوم نحيي الذّكرى الـ 104 للمجازر الأرمنيّة ومجازر سيفو لكنّنا في الوقت ذاته نحيي الذّكرى الـ 25 لاعتقال رئيس القوات وحلّها واضطهاد مناصريها وإذا كانت المناسبتان تحملان إلينا ذكريات اليمةً محزنة، إلاّ أنّ تزامنهما هذه السّنة مع اسبوع القيامة يعيد تذكيرنا من جهة ثانية أنّ النّصر هو دائماً حليف المقاومين المثابرين الملتزمين".
واعتبر جعجع أن "القوات اللبنانيّة التي هي امتداد للمقاومة اللبنانيّة التاريخيّة عبر الزّمن تختزن في ذاكرتها كلّ معاناة الشّعوب المشرقيّة وتحجز لهذه الشّعوب مكاناً متقدّماً في وجدانها"، مؤكداً أن "كلّ رفيق من الطوائف الأرمنيّة والسّريانيّة والأشوريّة والكلدانيّة في القوات اللبنانيّة هو قيمة مضافة لها".
ولفت إلى أنه "من كرم الزّيتون وحيّ السّريان والسّدّ وبرج حمود والفنار الى انطلياس والنقاش وزحلة والبقاع، وكلّ حبّة تراب من الـ 10452، ابطال أعطوا المقاومة اللبنانيّة بعدها المشرقيّ الجامع واتّحدت دماؤهم بدماء رفاق لهم من الأشرفية وعين الرمّانة وزحلة وقنات والجبل، ليصحّ فعلاً القول : قضيّة واحدة في كلّ زمان ومكان".
ونوه جعجع إلى أنه "ليس بالسّيف وحده يموت الإنسان بل بكلّ عمل يؤدّي الى إضعاف دولته وبالتّالي وجوده. إنّ هذه المرحلة الدّقيقة تتطلّب الابتعاد عن سياسة المحاور وسياسة التفرد في اتّخاذ القرارات خارج الإجماع الحكوميّ"، مؤكداً أن "مصادرة القرار الاستراتيجيّ للدّولة تؤدّي في نهاية المطاف الى خراب البصرة، إنّ إغراقها بمئات الآلاف من النازحين يؤدّي الى تذويبها وسوء إدارة الدّولة يؤدّي إلى فقدانها لمناعتها واهترائها. إنّ انتشار الفساد، لا سيّما على المستويات السّياسيّة في الدّولة، يعطّل الدولة وينهش لحم مواطنيها".
وأكد "أننا في الوقت الحاضر نعيش هذه الظواهر ونعاني منها كلّها، ونحن في القوات اللبنانيّة واعون تماماً لهذا الواقع الأليم، وسنكمل صراعنا ضدّ تلك الأمراض كلّها حتّى النّهاية"، مشددا على "أننا لن نتراجع أمام ايّ تهديد، وسنكمل ولو بقينا وحدنا. لن نستكين قبل بلوغ الهدف المنشود، دولة لبنانيّة بكلّ ما للكلمة من معنىً، بيدها وحدها قرار السّلم والحرب. جمهوريّة قويّة، قويّة بحسن إدارتها ونظافة مسؤوليها. جمهوريّة بتصرّف شعبها، تسهر على مصالحه، على أمنه، على مستقبل أولاده، لا جمهوريّة شكليّة تسلّم قرارها للآخرين، ينخرها الفساد، ويعشعش فيها الفشل".
ولفت جعجع إلى أنه "لكي نبلغ الهدف المنشود، نحتاج مساعدة جميع اللبنانيين، فالسّعي نحو جمهوريّة فعليّة قويّة هو سعي وطنيّ جامع شامل، وليس هدفاً حزبياً ضيّقاً".