جاء تصريح رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بشأن هوية مزارع شبعا ليُطلق صفارة المعركة التي بدأها "وليد بك" على "حزب الله" مباشرة. لقد إستهدف عمق القضيّة من دون أيّ مراعاة لإمكانيّة تسوية الخلاف مع الحزب المذكور. فهل يظن جنبلاط ان حزب الله ضعيف نتيجة استهدافه بالعقوبات الأميركية، وهو يريد اقتناص الفرصة؟ أو هو يجاري الحملة الدولية؟ وما هي الأسباب الحقيقية؟!.
يروي سياسيون مطّلعون في قوى "8 آذار" أن جنبلاط كان ارسل مراراً لـ"حزب الله" عبر القنوات المعتادة يتحدّث عن "هواجس" لديه بشأن سلسلة خطوات ترى المختارة أنها تستهدف دورها السياسي، فشكّلت محطة الانتخابات النيابيّة وما تبعها في مسار تأليف الحكومة ومطالبة قوى درزيّة أخرى بإشراكها في التعيينات عوامل قلق إضافي لجنبلاط في مرحلة التوريث السياسي المتعثّر لنجله النائب تيمور جنبلاط. لأن زعيم المختارة كان يرى أن الرياح الإقليميّة الميدانيّة تعاكس سفنه، على وقع متغيّرات داخلية وإقليمية.
يقول السياسيون انفسهم انّ المسألة تتعدّى معمل الإسمنت في عين دارة، "المطابق لكل المواصفات والحائز على التراخيص وفق الشروط التي تضعها مؤسسات الدولة"، ويعتبر هؤلاء أنّ قرار مجلس شورى الدولة جاء ليحسم قانونيّة المعمل ويُنصف وزير الصناعة السابق النائب حسين الحاج حسن: فكيف يمكن تطبيق القانون، أو الحديث عن مكافحة فساد، او فرض دولة المؤسسات، في حال أراد جنبلاط عدم الإكتراث لا بالتراخيص ولا بالوزارات ولا بالأحكام القضائيّة، مقابل محاولته فرض شروطه ومصالحه؟! ولذلك يؤكّد هؤلاء السياسيّون أن رئيس الحكومة سعد الحريري يُدرك انه لا يحقّ لجنبلاط منع العمل في معمل الإسمنت، بعد إطّلاعه شخصياً من الحاج حسن على الملف قبل أن يوقّعه الأخير.
لكن يكرّر المطّلعون القول إن "وليد بك" بعدما فشل في إقناع آل فتوش سابقاً بالشراكة معهم للحصول على حصّة في معمل عين دارة، أو تعبئة منتوجات معمله الإسمنتي في سبلين بأكياس معمل الأرز، قرّر منع العمل وقام بحملة إعلاميّة تحت عنوان البيئة، وجيّش انصاره في عين دارة. وهنا يسأل هؤلاء: هل كسّارات جنبلاط في الجبل نالت تراخيص أو تطابقت مع مواصفات بيئية؟! يضيف السياسيّون انفسهم: إن معمل عين دارة متطوّر وتعتمده دول عظمى كألمانيا في وسط مدينة فرانكفورت، والدانمارك، وولايات أميركية عدّة، ولا يُسبب أيّ تلوث للبيئة كما يحصل في سبلين مثلا.
ويروي السياسيون ايضاً "أن جنبلاط إحتجّ سابقاً على المعمل من باب هواجسه وإفتراضاته بأنّه مزيد من التضييق عليه، فتعامل مع القضيّة وكأن الجبل كملك خاص له.
وبموازاة ذلك كان طرَح "وليد بك" على الحزب موضوع إنتصاره العسكري ضد الإرهاب في سوريا، فسلّم بالتعاون معه، لكنه عاد ورفع مؤخراً سقف خطابه ضدّه، وإتّخذ معمل عين دارة عنواناً، ووصل إلى طرح قضيّة مزارع شبعا، "بطريقة كيديّة"، وهي مسألة سياديّة، تعني في عمق كلامه التنازل عنها لإسرائيل، أو التمهيد لخطوة إسرائيليّة ما، وكأنه يقّدمها هدية لتل أبيب كما فعل الرئيس الاميركي دونالد ترامب بحق الجولان السوري".
ويسأل السياسيون ذاتهم: هل قرر جنبلاط إفتتاح المعركة الداخليّة ضد "حزب الله" على وقع العقوبات الأميركيّة على الحزب؟ وإلى اين ستؤدي هذه المعركة؟ علماً أن معمل عين دارة لا علاقة لـ"حزب الله" به، ويملكه آل فتوش وحدهم. رغم رصد طلب جنبلاط مؤازرة الأميركيين له ضد الحزب.
لا يضع السياسيّون المطّلعون أجوبة محدّدة، ولا يرسمون مسارات معيّنة، بل يتركون السيناريوهات مفتوحة على كل الإحتمالات، لكن من دون التنازل عن البدء بالعمل في عين دارة: "على اجهزة الدولة تحمّل مسؤولياتها الأمنيّة كاملة، وضمان تنفيذ القانون، خشية من ان تسود شريعة الغاب، ويحصّل كل فريق حقوقه، بطرق قد يصعب ضبطها، وبأثمان غالية" بعدما فرض غياب أجهزة الدولة عن مشهد عين دارة، وجود وضع أمني وحماية ذاتيّة، لأنّ وزارة الداخلية لم تستجب سابقاً لكل الطلبات بضبط الوضع وفقاً للقانون. فإذا سخن المشهد هذه المرة، من يتحمّل المسؤولية؟!.