تُطلق تسمية مزارع شبعا على المنطقة الجبليّة جنوب شرق بلدتي شبعا وكفرشوبا ومزرعة المجيديّة، وصولا الى العباسيّة والنخيلة في اقصى جنوب شرق لبنان، وهي منطقة ذات طبيعة جبليّة غير حادة يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 1700 و1100 مترا عن سطح البحر.
جغرافياً تعتبر مزارع شبعا هي المنطقة المحدّدة بوادي العسل شرقاً، وبقصر شبيب شمالاً، وبخراج قرى شبعا كفرشوبا المجيديّة ونهر الوزّاني غرباً والحدود الاسرائيليّة الى بانياس-سوريا جنوباً، اما ادارياً فهي تتمدّد شرقاً الى خط رؤوس القمم من قصر شبيب الى بانياس، وقانونياً (السيّادة حسب القانون الدولي العام) فيقتطع من النطاق الاداري المنطقة شرقي وادي العسل، والمنطقة جنوبي خط مغر شبعا (خارج المزارع) والنخيلة والعباسية الى الغجر... وهذه هي المنطقة المعتبرة لبنانيّة، والتي تُعرف اليوم بتسمية مزارع شبعا، ومساحتها 36 كلم2 تقريباً، وفيها المزارع التالية: من الشمال الى الجنوب: مراح الملول، برختا، كفر دودة مشهد الطير، بيت البراق جورة العقارب، الغبرة، الربعة، رمتا، بسطرا، قفوه، زبدين فشكول، القرن، خلّة الغزالة، ويقع جنوب هذه المزارع مغر شبعا وهو خارج المنطقة اللبنانية...
حكاية احتلال اسرائيل لمزارع شبعا بدأت بعد احتلال الجولان السوري عام 1967 (1)، يقول رئيس اللجنة العسكرية اللبنانية للتثبّت من انسحاب اسرائيل من لبنان في العام 2000، العميد أمين حطيط، مشيرا في حديث لـ"النشرة"، الى أن اسرائيل لم تحتلّ يومها المزارع لانها تعلم بلبنانيّتها، ولكن استهتار الدولة بأرضها وغياب أيّ وجود عسكري فيها جعل اسرائيل تلبّي أطماعها، فبدأت بقضم المزارع تدريجيًّا وطرد السكان منها في حزيران 1967، وانهت احتلال كل المزارع عام 1978.
بالنسبة الى حطيط فإنّ ما يثبت لبنانيّة مزارع شبعا عدّة امور، أبرزها اعتراف الانتداب الفرنسي بهذه الملكيّة عند إصدار قرار إنشاء لبنان الكبير عام 1920، فتقرّر يومها إلحاق المزارع بقضاءي مرجعيون وحاصبيا، دون أن تُرسم الخريطة السياسيّة لهذه الدولة، خصوصا بعد أنْ لاقت اعتراضًا من المؤتمرين في وادي الحجير، مشيرا الى أنّ هذا الأمر لا يعني إطلاقا عدم لبنانية المزارع.
في العام 1934 جرت محاولة فرنسيّة لتثبيت الحدود بين لبنان وسوريا، وفي العام 1946، ومباشرة بعد جلاء الجيوش الاجنبيّة عن لبنان وسوريا، نشأت بحسب حطيط، (الذي أعدّ للمناسبة دراسة مفصلة(1) عن لبنانية مزارع شبعا وتمّ على أساسها صدور قرار لبنانيتها بالإجماع على طاولة الحوار عام 2006)، لجنة قضائية لبنانيّة سوريّة للبت بالخلافات هي "لجنة الغزاوي-الخطيب"، أكّدت هويّة هذه المزارع، مشيرا الى أنّ وثائق اللجنة سُلّمت للأمين العام للأمم المتحدة السابق عام 2000 كوفي أنان.
يؤكّد حطيط أن كل كلام عن اتفاق لبناني على أن تُثبت سوريا امتلاك لبنان للمزارع هو كلام كاذب، إذ ان الاتفاق كان على تحريرها على أساس أنها لبنانية، وقد ورد هذا الأمر بكل البيانات الوزاريّة للحكومات اللبنانية المتعاقبة، كما ورد أيضا في بيانات القمم العربية التي دعت لتحرير مزارع شبعا اللبنانيّة، معتبرا أنّ من أثار هذا الملفّ اليوم يعمل بتوجيهات أميركيّة ضمن الاستعداد لما يُسمّى صفقة القرن، فالهدف ضرب شرعيّة المقاومة في لبنان.
في 22 أيار عام 2006، وعند سؤال رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن البنود التي انهت طاولة الحوار دراستها واقرارها، قال: "تحقّقت عشرة بنود، كان الخلاف عليها كبيرا جدا، من المحكمة الدوليّة، الى لجنة التحقيق، الى تأكيد لبنانية مزارع شبعا، الى الموضوع الفلسطيني"، مضيفا: "الحوار الوطني بالإجماع نفسه، أكّد على لبنانيّة مزارع شبعا، وحتى (رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي) وليد جنبلاط الّذي كان أكثر من يقول ان مزارع شبعا ليست لبنانيّة لم يعد يقولها".
يعارض عضو تكتل "الجمهورية القويّة" وهبة قاطيشا كل كلام يتحدّث عن إجماع لبنان على لبنانيّة مزارع شبعا، مشدّدا في الوقت نفسه على أنّ الاتفاق على طاولة الحوار عام 2006 كان بأن تقوم سوريا بالاعتراف خطّيا بلبنانيّة هذه المزارع، وهذا ما لم يحصل.
ويضيف في حديث لـ"النشرة": "نحن كقوّات لبنانيّة لم نجتمع للبحث بهذا الموضوع مؤخّرا، ولكنني أعتبر أن هذه المزارع كانت لبنانيّة من العام 1920 حتى العام 1967 عندما احتلّتها سوريا، ولم تتحرّك الدولة اللبنانيّة، واستمرّت سوريّة لحين احتلالها من اسرائيل". ويقول: "الخرائط التي كانت موجودة في العام 1920 لم تعد موجودة، وما نملكه بعد العام 2000 هو خرائط معدّلة بعد هذه السنة، لذلك المطلوب العودة الى خرائط 1920 وتقديمها للأمم المتّحدة التي تملك حقّ الفصل في مثل هذه المواضيع، مشيرا الى أننا "لا نمانع أبدا استعادة أراضٍ لنا، او الحصول على أراضٍ جديدة".
اذا شكّلت مزارع شبعا ملفًّا خلافيًّا على مدى سنوات سابقة، ويبدو أنّه قد عاد الى الواجهة مجددا، فهل تزداد حدّة التوتّرات بشأنِهِ.