في الوقت الذي تتفاعل فيه في هذا الفصل من كل عام ظاهرة الترويج السلبي للبنان، سواء من خلال الحديث عن عدوان اسرائيلي صيفي، أو الاضاءة المكثّفة على التلوث البيئي، أو حتى التنبيه من انهيار مالي واقتصادي يؤدي الى انفجار اجتماعي، بما يُرجّح وزير السيّاحة أفيديس كيدانيان أن يكون خطة ممنهجة خارجية لضرب صورة لبنان كوجهة سياحية، ينجرّ اليها بعض الداخل عن غير قصد، تبدو تأثيرات هذه الظاهرة محدودة الى حدّ كبير هذا العام، في ظل توافر مجموعة عوامل قادرة أن تجعل من لبنان وجهة سياحيّة رئيسيّة هذا الصيف.
ولعل العامل الأبرز الذي ترسخ في السنوات القليلة الماضية هو الاستقرار الأمني والسياسي المستمر منذ نهاية العام 2016. فبخلاف عدد كبير من بلدان العالم، نجح لبنان الذي تلوّع بالخضّات الأمنيّة والسياسيّة قبل العام 2015، بتحصين نفسه وبخاصة أمنيًّا رغم كل المخاطر والتحدّيات المحيطة به، ففيما كانت شوارع باريس تشهد أعمال عنف غير مسبوقة والكثير من دول أوروبا يضربها الارهاب والتطرّف في أكثر أطرافها أمانا، وصولا الى ما شهدته سريلانكا التي لطالما اعتُبرت من أبرز الوجهات السياحيّة في العالم، ظلّ لبنان متماسكًا رغم الصعوبات الاقتصاديّة منكبًّا على معالجة كل المشاكل التي أدّت الى تراجعه سياحيًّا بعدما كان وجهة رئيسيّة في الشرق الأوسط، فاستضاف في العام 2010 أي قبل اندلاع الأزمة في سوريا مليوني و 168 الف سائح.
أما العامل الثاني والذي من المتوقّع أن يحقّق الخرق الأكبر هذا العام، فهو رفع السعوديّة الحظر عن زيارة رعاياها الى بيروت مع ترقب ان تحذو الامارات حذوها في الاسابيع القليلة المقبلة. ولعل ما أعلنه السفير السعودي عن توقعه زيارة نحو 300 الف سعودي لبنان هذا الصيف كما السفير الاماراتي عن أن صيف لبنان سيكون عامرا بالخليجيين، من المؤشّرات الكبيرة لـ"الفورة السياحيّة" المرتقبة لبنانيًّا.
ولن تقتصر الحركة الصيفيّة على السوّاح الخليجيين، فالسياسة التي تعتمدها وزارة السياحة منذ فترة لجهة الانفتاح على دول أوروبا وأميركا، بدأت تعطي مفاعيلها من خلال مصادفة أعداد لا بأس بها من السوّاح الغربيين في وسط بيروت، ما يجعل العامل الثالث الذي يوحي بصيف واعد، هو توافد الاوروبيين بشكل اساسي، خصوصًا بعدما تركّز التسويق للبنان في الدول التي تعتمد خطوط طيران مباشرة بين عواصمها وبيروت، وتلك التي لا تبعد أكثر من 4 أو 5 ساعات في الطائرة.
أما العامل الرابع الذي تعمل وزارة السياحة على الاستثمار به فهو التنوّع السياحي في لبنان، بحيث بات العمل يتركّز على اجتذاب السواح بحسب اهتماماتهم، سواء بالسيّاحة الدينيّة أو سياحة المؤتمرات، أو السياحة الترفيهيّة أو حتى تلك البيئيّة وغيرها، من خلال خطّة مدروسة بدأت هي الأخرى تعطي مفاعيلها.
وبحسب وزير السيّاحة، فانّ العامل الخامس الذي سيجعل لبنان يستعيد مكانته كوجهة سياحيّة رئيسيّة في منطقة الشرق الأوسط، فهو قدرتنا على اجتذاب عدد كبير من السوّاح الذين لديهم مشاكل مع دول أخرى بالمنطقة وبخاصة الخليجيين منهم، ما سيجعلهم يعودون الى البلد الذي اعتادوا على مناخه والسهر فيه وحفاوة الاستقبال وخدماته السياحيّة الراقية.
ولا شك ان نقاط قوة لبنان سياحيا لا تقتصر على العوامل الـ5 السابق ذكرها، وقد تبلغ العشرات في حال التوسّع والتدقيق، لكن الأهمّ أن نعمل كمواطنين وكإعلاميين على تسويق وتعميم الصورة الجميلة لبلدنا لنساهم بنهضته من جديد، باعتبار أن دخل الدولة من السياحة في العام 2010 بلغ حوالي 8 مليار دولار أميركي، بدل أن نتسابق على تشويه هذه الصورة ودقّ المسامير في نعشه.