يحتفل العالم في الثالث من أيار باليوم العالمي لحرية الصحافة. حرّية باتت مهدّدة بسبب النزاعات والحروب في العالم. وتُظهر نسخة 2019 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي أعدَّته "مراسلون بلا حدود"، أن وتيرة الكراهية ضد الصحفيين قد تصاعدت إلى درجة جعلتها تبلغ حد العنف، الأمر الذي أدّى إلى تنامي الشعور بالخوف، إذ يستمر تقلّص دائرة البلدان التي تُعتبر آمنة، حيث يمكن للصحفيين ممارسة مهنتهم بأمان.
ووفق التصنيف، فقد احتلّت النرويج المركز الأول، وتركمنستان المركز 180 والأخير. واحتلّ لبنان المركز رقم 101، بعد أن تراجع مركزين (كان يحتل المركز 99).
"حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات ضمن دائرة القانون"، هذا ما نصّت عليه المادة 13 من الدستور اللبناني. إلا أن هذه المادة أضافت عبارة "ضمن دائرة القانون"، ما فتح المجال للكثير من التأويل والاجتهادات التي وضعت لبنان في هذه الخانة عالمياً في تقرير حريّة الصحافة.
فلماذا تراجعت الصحافة اللبنانية في تقييمها؟ ومما تعاني اليوم بعد أن كانت رائدة عربياً وعالمياً؟.
يرى العميد السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج كلّاس، في حديث مع "النشرة"، أن "الصحافة في هذا الزمن وتحديداً في العصر العربي الحالي تعاني من أزمات لها علاقة بمفهوم الحريّة الشخصيّة ولها علاقة بمفهوم الهامش الذي تتركه الأنظمة للإعلام ولإبداء الرأي"، مشيراً إلى أن "الخطر الحقيقي الذي يعيشه الصحافي اليوم هو هامش الحريّة الذي توفّره المؤسّسة الإعلاميّة للصحافي، وأجزم أن أول من يقمع الصحافي هو الوسيلة الإعلاميّة التي يعمل فيها، وهي التي تقول له ما هو المسموح وما هو الممنوع"، ومشدداً على أنه "لولا منبر الوسيلة الإعلاميّة لما كان هناك مقاسات لحريّة الرأي ولحريّة التعبير، وانا هنا أؤكد أن المشكلة في العالم العربي هي حريّة التفكير قبل أن يكون هناك مشكلة في حريّة التعبير".
وبما يخصّ الموضوع اللبناني، يعتبر كلّاس أنّ "المشكلة في لبنان بوجود تراجع بموضوع قيمة الصحافة اللبنانيّة وليس فقط في موضوع الحريّة، فهي كانت تعالج القضايا وتطرح أفكاراً، وكانت الأنظمة العربيّة تسعى لاسترضائها وكل السياسات العربية تعمل على تكوين صداقاتها في الصحافة اللبنانيّة وتتحاشى أي مشكلة معها".
أما العميد الحالي لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج صدقة فيعتبر في حديث مع "النشرة" أن "الحرية الصحافية في لبنان أصبحت مقيدة لأن المؤسسات الاعلامية بدورها باتت مقيدة لأسباب مادية وقانونية"، مشيراً إلى أن "الوضع المادي في لبنان عموماً وفي وسائل الإعلام خصوصاً هو سبب أساسي في تراجع الصحافة اضافة لعدم وضع القوانين التي تحمي العمل الصحافي وتراجع تطبيق هذه القوانين".
ويشير صدقة إلى ان "قوانين الإعلام في لبنان تعود إلى عشرات السنين ولم تعد صالحة وهي تحرم الناس من انشاء مؤسسات صحافة مكتوبة اضافة لعدم تطبيق قانون الإعلام المرئي والمسموع وعدم وضع قوانين جديدة للمواقع الإلكترونية، وهذه الظروف مجتمعة تؤثر سلباً على واقع الإعلام"، مضيفاً "إن العلاقة بين السلطات في الدولة متأزمة وتلقائياً هذه الأزمات سيؤثر على عمل السلطة الرابعة أي الصحافة".
من جهته يعرب كلّاس عن أسفه لما وصل إليه واقع الصحافة اليوم، موضحاً "أننا نعيش واقع تمويل لها وعندما لا يكون هناك التمويل الذاتي من خلال الاشتراكات والاعلانات، يصبح الارتهان لدى الإعلام موجودا"، مشدداً على "ضرورة التنبّه إلى أن أغلب أصحاب الوسائل الإعلاميّة يتعاملون معها على أنها شركة وليست رسالة، وبالتالي باتت الصحافة سلعة استهلاكية وفقدت معنى وجودها".
ويلفت كلّاس إلى أن "القاعدة الرئيسيّة التي يمكن أن تتم من خلالها دراسة جودة الصحافة اللبنانية هي طرح السؤال التالي "من هو المستفيد من غياب الصحافة اللبنانية الحرة الناقدة البناءة؟ ومن تخدم الصحافة الموجودة اليوم وهي لا لون لها ولا تشبه لبنان أبداً ويملكها أشخاص"؟.
ويعتبر كلّاس أن "المشكلة الإضافية هي غياب المثقّف اللبناني الذي كان يكتب وينتقد في الصحف والمنابر ما أدّى إلى الانحدار في لبنان".
نتيجة كل ما سبق، فإن واقع الصحافة في لبنان لا يعاني فقط من أزمة على صعيد الحرية الممنوحة من قبل السلطة، بل إن الصحافة اليوم هي ضحية نفسها وضحية تحويلها إلى سلعة تباع وتشترى، بغض النظر عن المضمون.