كنّا نشنّها حملةً على مَـنْ يذكرِّرون المؤنَّث عندما يسمّون المرأة النائبة بالقول: سعادة النائب، كمثل مَـنْ يمارس محاولة اغتيال على «سيبويه» صاحب كتاب النحو.
وهُمْ بذلك يشوِّهون ما تتحلَّى به المرأة من أنوثةٍ وَصِفاتٍ جميلات حين يحوِّلونها بعملية جراحية لغوية من أنـثى الى رجل، وهُمْ أيضاً يعطلون مطالبة الهيئات النسائية بتمثيل نسائي راجح في مؤسسات الدولة وإداراتها.
ولكن، حين رأينا أنَّ ما يَسْتَعصي على شوارب أصحاب المعالي، يتمّ استسهالُهُ بالأنامل الناعمة ونواعس الأحداق...
وأن ما شهدناه على مدى السنين الخوالي من فواحش الفساد، وما آلت إليه حال الدولة الذُكوريِّـة من انهيار وطني وسياسي واجتماعي واقتصادي وأخلاقي.
وعندما واجهت المرأة المسؤولة استخفاف حكم الرجال بمسلكية رصينة وممارسة شفّافة، تميّزت بها وزيرة الطاقة ندى البستاني، ووزيرة الداخلية ريَّـا الحسن بتنفيذ ما لم يُـنفَّذ... إلى وزيرة التنمية الإدارية مي شدياق، وبهيّة الحريري وعناية عـزّ الدين من قبل.
وحين نرى أنَّ ملاحم الفساد المستشرية في جسم الدولة أمراضاً مستعصية قد تهيّب دونها الرجال ، وتصدّت لها برجوليِّة باسلة النائبة بولا يعقوبيان.
فقد بات يصحّ أن نقول بلسان المتنبي في والدة سيف الدولة مع بعض التصرّف.
إذا كانَ النساءُ كـمَنْ «رأينـا» لفُضّلتِ النساءُ على الرجالِ
وما التأنيثُ لإِسمِ الشمسِ عيبٌ ومـا التذكـيرُ فخـرٌ للهلالِ
والمرأة بطبيعتها تتحلّى برقّـة على شكيمةٍ مـرنة، ومسلكية على ممارسة جاهدة، ومواظبة منتجة على شغف بالخدمة العامة، حتى وإنْ وسْوَسَتْ في أُذْنها الأفعى فلن تتجـرأ على اشتهاء التفاحة مـرّة ثانية مخافـة الخروج مرة ثانية من الفردوس.
والمرأة عبـر محطاتٍ من التاريخ تتفوّق بالتضحية والصدق والوفاء والطهر: منذ أن تعرّضت مريم المجدلية للرجم فاستحالت شبه قديسة...
ومنذ أن سيطرت شهرزاد بعقلها الأنثوي على جبروت شهريار في ألف ليلة وليلة...
ومنذ أن حكمت المرأة الملوك في قصور الملوك، ومن أجلها تنازل الملك إدوار الثامن عن عرش بريطانيا.
ومنذ أن اعتبرت المرأة الصينية الزواج بأجنبي خيانة وطنية، واعتبرت المرأة الهندية خيانة زوجية إنْ هي ترمَّلت ولا تلقي بنفسها بعد زوجها في النار...
ومنذ أن رافقت المرأة المسلمة النبيّ مستبسلة في غزواته، فقلَّد كعيبـة بنت سعد قلادةً هي أشبه بالوسام الحربي.
يقول أفلاطون لأربع مئة سنة قبل المسيح: «مثلما أنّ بعضَهُمْ صالحٌ لمنصّة الحكم هكذا بعضهنّ صالحات، ومثلما أن كثيرين منهم يفوقون الكثيرات، هكذا الكثيرات منهنّ يفُـقْنَ الكثيرين...».
عندما ينخفض مستوى الرجال يصبح بعضهنّ أصلح لمنصّة الحكم من بعضهم، وبدل أن يكون وراء كلِّ رجلٍ عظيم إمرأة، فليكن وراء كلِّ إمرأةٍ عظيمةٍ رجل.