سريعاً، تحوّلت صورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي إلى "الحدث" بكلّ ما للكلمة من معنى، بعدما جمعت بين طيّاتها عدداً من النواب الذين ينتمون إلى كتلٍ مختلفة، من "القوات اللبنانية" إلى "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، وصولاً إلى النائب جميل السيد.
تعود هذه الصورة إلى اللقاء الذي جمع ستة نواب من العسكريين المتقاعدين، هم إضافة إلى السيد، وهبة قاطيشا وجان طالوزيان وشامل روكز وأنطوان بانو ووليد سكرية، برئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، على خلفية اعتصامات العسكريين المتقاعدين رفضاً لما أشيع عن مسّ الموازنة برواتبهم ومخصّصاتهم.
ومع أنّ لقاء النواب الستّة كان محصوراً بهذا الملف، ولم يؤسّس لتكتّلٍ نيابيّ جديد كما حاول كثيرون الإيحاء، فإنّ "امتعاض" القاعدة "القواتيّة" خصوصاً منه لم يكن خفياً على أحد، بل ذهب البعض إلى حدّ القول إنّه لم يكن يتمنّى رؤية مثل هذا المشهد، أياً كانت الدوافع ومهما كانت الأسباب...
امتعاض "قواتي"؟!
أن يجتمع كل من جميل السيد، ووليد سكرية (كتلة "الوفاء للمقاومة")، وشامل روكز وأنطوان بانو ("التيار الوطني الحر")، ووهبي قاطيشا وجان طالوزيان ("القوات اللبنانية")، في مكانٍ واحدٍ وصورةٍ واحدةٍ، كان قبل أيام فقط، أمراً "خيالياً"، نظراً إلى التباعد العميق والتباين في الرؤى بين النواب الستة، على رغم اجتماعهم تحت سقف الندوة البرلمانية، وإمكان التقائهم في لجان أو ما شابه.
إلا أنّ النواب الستّة الذين يتقاطعون لكونهم عسكريين متقاعدين، تكتّلوا مع بعضهم بعضاً، واجتمعوا مع رئيس الجمهورية، وانتشرت صورهم كالنار في الهشيم، تاركةً خلفها تساؤلاتٍ بالجملة عن "سرّ" مثل هذا الاجتماع و"الجدوى" المتوخّاة منه، وما إذا كان يمكن أن يؤسّس لكتلةٍ جديدةٍ مثلاً، على غرار "اللقاء التشاوري السنّي"، يقودها جميل السيد الذي تولى التصريح باسم النواب.
وإذا كان صحيحاً أنّ الصورة جمعت نواباً ينتمون إلى كتل نيابية متباعدة، إلا أنّ المعطيات أظهرت امتعاضاً في صفوف القواعد "القواتية" بشكلٍ خاص أكثر من أيّ فريق آخر، ليس لوجود ممثلي "القوات" إلى جانب نائب "حزب الله" الوليد سكرية مثلاً، علماً أنّ "القوات" تسعى أصلاً ومنذ مدّة للانفتاح على "الحزب"، بل لوجودهما إلى جانب اللواء السيد، خصوصاً أنّ "القوات" لم تقفل "الحساب القديم" مع الأخير بعد، وهي تتهمه بالمسؤولية الأساسية عن سجن رئيسها سمير جعجع لسنواتٍ طويلة، تنفيذاً لأوامر وإملاءات خارجيّة بالدرجة الأولى.
ولعلّ أيّ جولةٍ على حسابات مناصري "القوات" وحتى محازبيها على وسائل التواصل تكفي لتكشّف ملامح هذا "الامتعاض"، الذي أوصل البعض لحدّ "مساءلة" القيادة، إن جاز التعبير، عن "جدوى" مثل هذه الصورة، في حين كان بالإمكان إيصال الرسالة بطريقة أخرى، أقلّ إحراجاً بالحدّ الأدنى، وأكثر انسجاماً مع التاريخ "المبدئي" لـ"القوات"، خصوصاً في إطار العلاقة مع السيد، الذي يبقى بالنسبة إليهم أحد "رموز" مرحلة يعتبرونها "قاتمة" ليس في تاريخهم فحسب، بل في تاريخ لبنان.
دفاعاً عن العسكريين!
عاطفياً ووجدانياً، انفعل "القواتيون" مع الصورة التي جمعت نائبين "قواتيين" مع جميل السيد في إطارٍ واحدٍ، بل أظهرتهما في مكانٍ ما "منصتيْن" إلى الأخير، وهو يتحدّث باسمهما، وباسم زملائهم من ممثلي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وإن فسّر البعض ذلك بكونه صاحب الرتبة العسكرية الأعلى ليس إلا، باعتبار أنّه لواء في حين أنّ الآخرين عمداء.
وفي حين اعتبر البعض أنّ ردة فعل "القوات" قد تكون جاءت "استباقية"، لتلقف "شماتة" الخصوم في مكانٍ ما، بدا واضحاً أنّ القاعدة "القواتية" لم تتقبّل هذه الصورة، ربما لأنها لم تتهيّأ لها مسبقاً، كما حصل مثلاً في كلّ خطوات "المصالحة" التي أقدمت عليها "القوات"، مع "التيار الوطني الحر" و"تيار المردة" وغيرهما، في إطار طيّ صفحة الحرب.
لكن، وبعيداً عن العواطف التي انطلق منها جمهور "القوات" في إبداء الموقف، يؤكد المعنيّون أنّ اللقاء لم يكن ليحصل لولا حصول قاطيشا وطالوزيان على "الضوء الأخصر" من القيادة "القواتية" للمشاركة، وذلك بعدما وجدت الأخيرة أنّ "المصلحة" من المشاركة في اللقاء، تتفوّق على السلبيّات "الظاهريّة"، وإن أخذت الأخيرة مداها في الإعلام، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويشرح أصحاب وجهة النظر هذه بأنّ كلّ "الحملة" التي شُنّت على "القوات"، إن جاز التعبير، من داخل بيتها، ليست أكثر من "إبرة" في "كومة القش" التي كانت ستلاحقها لو أنّها تعمّدت التغيّب عن اللقاء، بذريعة حضور السيد أو غيرها، إن صحّت المقارنة. ويوضحون أنّ أحداً لم يكن ليأخذ هذه الذريعة على محمل الجدّ، بل إنّ ذلك كان يمكن أن يشكّل فرصة ذهبية لخصوم "القوات" للتصويب عليها من جديد، هم الذين لا يفوّتون فرصة للتلميح إلى عدم مساندتها الجيش كما يجب، بل تحريضها ضدّه في أكثر من محفل، وبالتالي فإنّهم لن يتوانوا عن اتهامها هذه المرّة بالوقوف ضدّ حقوق العسكريين المتقاعدين، علماً أنّها أصلاً من بين "المتهَمين"، شأنها شأن سائر النواب الذين شاركوا في اللقاء، ولو لم تثبت "إدانتها"، لكونها جزءاً من الحكومة، التي تقف وراء الموازنة التي يُشاع أنّها تمسّ برواتب العسكريين ومخصصاتهم.
فقط في لبنان...
منطقياً، لا يفترض أن يُحمّل أيّ اجتماعٍ لخصميْن، مهما بلغ حجم خصومتهما، أكثر ممّا يحتمل، ولا يفترض أن تفتح مجرّد صورة، أخِذت بظروفٍ آنية وموضوعيّة معروفة، سجالاً ونقاشاً كذلك الذي فتحته صورة النواب من العسكريين المتقاعدين، خصوصاً أنّهم اجتمعوا علناً، وليس في السرّ أو في الغرف المغلقة.
لكن، ولأنّ المنطق العام يصطدم دائماً بالواقع اللبناني، المفرط في الحساسيّة بذرائع "خصوصيته" هنا و"فرادته" هناك، يمكن لمثل هذه الصورة أن تصبح "الحدث"، وإن كان القاصي والداني يدركان أنّها لن تغيّر شيئاً في المعادلة، وإنّ أيّ ترجمة لها مستبعَدة، بل تكاد تكون مستحيلة...