جمّلك الرب يا سيدي بالكثير من المواهب والوزنات وكنت العبد الأمين الذي أعاد الوزنات كاملة مع الكثير فوقها من وزنات ربحتها بفضل كدّك وسهرك وجهادك وخدمتك.
وهبك الله جمال الخلق وجمال الصّفات وغنى الأخلاق وسمو التصرّفات والليّاقة اللطيفة المزدانة بالبسمة والبساطة والتواضع مع انتمائك إلى أعرق العائلات اللبنانية آل أبو جودة الكرام.
تزيّنتبالأخلاق، ورقّة ولطافة المعشر، والتواضع والبساطة والزهد بالحياة والتجرد عن الماديات، فكانت يدك ممدودة للعطاء وللكرم، وليس للأخذ ولم تمسك يدك يوماً عن سائل لعطاء من قِبَلِك فكنت تعطيه حتى "الجزو"(بدل أتعاب الكاهن الّتي تُعطى له بعد المأتم) كاملاً في حال عودتك من مأتم أو واجب ديني.
مال أهلك كان يكفيك وانت ابن عائلة من آل أبو جودة الكرام وأصحاب الشأن الإجتماعي والاقتصادي والسياسي الكبير ومن أنبل البيوتات في جل الديب.
مرنٌ دمث الأخلاق لطيف المعشر مع ابتسامة دائمة تقرّبه من القلوب. عميق الصداقة كعمق الإيمان عنده والتقوى والصلاة وحب الله في قلبه يجسّده بحبه للفقراء والمحتاجين والمعوزين والضعفاء وللكبار والصغار.
طبعته الكشفيّة بحب مميز للطبيعة والبيئة والزهور وبقي رجل حوار الناس والحضارات، أميناً كان إلى آخر حدود في خدمته المتفانية لغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ومرافقته له في أحلك وأصعب الأيام وأسودها.
في اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام عملت معه ومع الأب الشيخ أنطون الجميّل والأب جورج رحمة والآن مع الخوري عبده أبو كسم وسيادة المطران بولس مطر الرئيس الحالي، وكان الاداري الرائع اللطيف المحاور والقابل لاراء وأفكار الآخرين دون التنازل عن المستوى الاعلامي للرسالة الاعلاميّة التي أوكلت إليه، متقبّلاً الرأي الآخر محاوراً مفاوضاً لبقاً محترماً لآراء الآخرين المتنوّعة والمتعدّدة يصغي إليها بكل إنتباه واحترام. وكان همّه الشأن الإجتماعي فأسّس مع الصديق الأب جورج صقر المؤسّسة المارونيّة الإجتماعيّة وهي اليوم الصندوق التعاضدي الاجتماعي.
يكتب كلام الذي سيقوله بدقّة ولغة عربيّة منمّقةصافية أو باللغتين الفرنسيّة والانكليزيّة حيث كان يتقنهما عظيم الإتقان. يعمل دوماً بطاعة متفانية حتى الإرهاق، ولا يكف عن تلاوة فرضه الكهنوتي والصلاة ذهاباً وايابا في سيّارته التي يقودها سليم السائق الوفي عند تنقلاته الكثيرة. يعمل دون توقف حتى الضنك والارهاق أحياناً ليكون أميناً لرسالته الأسقفيّة والكهنوتيّة بطريقة دقيقة ومميزة بالإنمحاء حتى الفناء أحياناً والذوبان من الإرهاق والتعب.
عفيفاً طاهر القلب والحياة والسلوك واللسان مجمّلاً بالحياء والحشمة وتقاوة الحياة وشفافيتها، مع ثقافة لاهوتية عميقة وشاملة فرنسية وانكليزية، وبذكاء خارق وعقل ثاقب نيّر ولغة عربية راقية وصافية ودقيقة لاتقبل الغلط.
يحمل في حياته دستور محبة واحترام وعقلنة ايمانيّة للفكر اللاهوتي مهما تعصرن وجابهته مشكلات العلم والاكتشافات والحداثة العلمية والحضارية.
لطفٌ وذوق وانتباه للآخر باحترام وأبوّة ملؤها الانسانيّة والرقيّ والتهذيب خوفاً من أيّ مس بشعور وكرامة الآخرين، أكان ذلك مع أوضع الناس أو أرفعهم أو مع العاملين معه أو من يلتقيهم من كبارهم أو صغارهم أو أي شخص يتعرّف عليه. لياقة تهذيب لطف ابتسامة احترام صفات امتلأ منها، فهي عنده سلوك حياة فكان يجمع بين تقوى مار شربل ومحبّة مار منصور دي بول، مستقبلاً جميع ضيوفه كل نهار ثلاثاء على مائدة خاله حفيظ أبو جودة العامرة.
كانت تأكله الغيرة على خدمة الله والامانة على الوديعة التي تسلّمها نائباً بطريركياً لمدة أربعين سنة في أصعب الظروف، يذهب إلى رسالته غير آبه لقذائف تحيط به، متكلاً على صلاة أمّه وعلى حماية العذراء له. صلب المواقف والعقيدة بمرونة وحوار دبلوماسي عالي الأخلاق مغموراً بالمحبة والرقّة، ترأس اللجنة الأسقفية لوسائل الاعلام مهتماً باطلاق الحضور الكنسي باعلام عصري ولغة حديثة وخطاب متنوّر. وكان عضواً في المجلس الحبري للاعلام لمدة 20 سنة. انه بالحقيقة مؤسس وأب الاعلام الكاثوليكي والمسيحي والانساني الذي يكمل اليوم رسالته بمسؤولية كبيرة وجدارة سيادة المطران بولس مطر صديقي ورئيس اللجنة الاسقفيّة لوسائل الاعلام.
يا صديقي الغالي افتقدك وتفتقدك الكنيسة ولبنان وعائلتك وجهاً تأسيسياً منيراً وراعياً حكيماً غيوراً. وهبك الله اكليل المجد الذي تستحقّه في السماء كما استحققته في الأرض مع تعازي لغبطة ابينا السيد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ولمجلس أساقفة الكنيسة المارونية وللاعلام، ولجميع الاصدقاء والاحباء وقد كان من بينهم المرحوم أخي جورج يوم كان كشافاً معه يجوب الأرض اللبنانية الجميلة. صلاتي ليلتقيا في رحاب الله في السماء.