خلال سنوات كانت مشاركة رئيس الجمهورية وحضور رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة في مناسبة واحدة محصورة بعيد الاستقلال وافتتاح السنة القضائية، ولذلك لم يكن شأناً عادياً أن يرعى ويحضر رئيس الجمهورية احتفال المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني، وأن يلقي في الاحتفال كلمة فاضت بالمعاني الوطنية والثقافية، ولا كان عادياً أن يحضر كلّ من رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة.
من الزواية الرمزية هذا الحضور مع الحشد السياسي والوطني والروحي والدبلوماسي والثقافي هو تعبير عن مكانة المعلم بطرس البستاني، ورغبة بتظهير هذه المكانة للرأي العام في الداخل والخارج إعلاناً للسير بتكريم هذا العظيم من بلادنا، ودعوة للمشاركة في هذا التكريم، لكنه ايضاً عندما يكون المكرّم مفكراً وفيلسوفاً وداعية إصلاح ونهضة، إعلان إجماع على العناوين الرئيسية التي إحتلت الحيّز الأهمّ من عمر المعلم بطرس البستاني وفكره، وفي مقدّمتها الدعوة للدولة المدنية وإعلاء شأن المرأة والتعليم والإعلام واللغة العربية.
عندما يتحوّل شعار المعلم بطرس البستاني «الدين لله والوطن للجميع»، عنواناً جامعاً لقادة لبنان فهذا يعني أنّ الفرصة سانحة لتفاهم وطني يخرج من النقاش السجالي الذي يدور في حلقة مفرغة بين حدين هما: إلغاء الطائفية السياسية والعلمنة الكاملة، بتبنّي أطروحة المعلم بطرس البستاني كمدخل لفصل الإنتماء الديني عن الحقوق السياسية والمدنية، وترجمة لنص الدستور بمساواة اللبنانيين في الحقوق والواجبات.
إذا وضعنا جانباً النقاش الصعب حول قانون اختياري للأحوال الشخصية ومن ضمنه الزواج المدني الاختياري، والذي يبدو انه لا يزال موضع معارضة شديدة من المرجعيات الدينية، وتركناه إلى وقت لاحق، سنجد أمامنا الفرصة لحوار مبكر حول قانون الانتخابات النيابية، يضع أمامنا سيناريو توافقياً لمرحلة يكون فيها ممكناً تطبيق صيغة تنسجم مع الدستور الذي تمّ التوافق على بنوده في اتفاق الطائف، والتي ورد ضمنها كما تقول المادة 22 من الدستور، انتخاب مجلسين، واحد للنواب خارج القيد الطائفي وآخر للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية، والسيناريو المقصود حول متى يمكن الذهاب لصيغة المجلسين يرسم خارطة طريق متدرّجة نحو الهدف ويضع قانون الانتخاب الذي سيطبّق على الانتخابات المقبلة ضمن رؤية مستقبلية واضحة، ويقترب منها ولو خطوة أولى أو يمهّد لها على الأقلّ.
المناخات التي رافقت احتفالية المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني، وتوّجها حضور الرؤساء، قالت إنّ اللبنانيين يدركون بإجماع أنّ خلاصهم بالدولة المدنية، لكنهم يتهيّبون الخطوة الأولى، ومهمة الحوار هي إزالة المخاوف والهواجس وتوفير الاطمئنان اللازم للجميع للسير بالخطوة الأولى التي يجب للحوار أن يحدّد طبيعتها وموعدها وسياقها.
في الميادين التي تتصل بمرجعية المعلم بطرس البستاني الفكرية حول المرأة والإعلام والتعليم واللغة نحتاج إلى حوارات مشابهة ترسم في كلّ ميدان منها، الجواب على سؤال كيف نقترب خطوة إضافية من الهدف.
سنة المعلم بطرس البستاني نريدها سنة لهذه الحوارات يشترك فيها المعنيون بلا استثناء، وبلا مواقف وشروط مسبقة وخطابات أيديولوجية، بقدر من الحلم وقدر من الواقعية، نجح المعلم بطرس البستاني في فتح الطريق وقال لنا لا تيأسوا…