أكّد الوزير السابق زياد بارود "أننا لم نعد نحاكم على ما نكتبه، بل ربّما على ما لم نكتبه، وعلى ما فكّرنا في كتابته بعدما حلمنا به خلال الليل. لم نعد نحاكم ونحاسَب على ما نقوله، بل ربّما على ما يعتقدون أنها كانت نيّاتنا ولم نقلها لسبب أو لآخر! تُرى، ماذا يحصل في لبنان؟ ولماذا هذا الجنون وهذه "الهستيريا" لدى المجتمع ؟"، مشيرًا إلى أن هذا الكلام لجبران تويني الذي بات واحدًا من شهداء الصحافة، لا يزال صالحًا بعد سبعة عشر عامًا على حبره. لماذا؟ بكل بساطة لأن الشرخ بين الحق الدستوري والواقع المعاش لا يزال قائما لمصلحة حفنة من الحاكمين بأمرهم، بمنأى عن أية محاسبة، بل أحيانًا بغطاء قانوني مؤسف".
وأوضح بارود، خلال مشاركته في ندوة نظّمتها نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة في اليوم العالمي للصحافة، بعنوان "حريّة الصحافة بين القوانين والممارسة"، أن "الدستور اللبناني الذي وضع عام 1926 يكرّس حرية التعبير في المادة 13 منه التي نصّت على الآتي: حرية إبداء الرأي قولًا وكتابة، وحرية الطباعة وحرية الإجتماع وحرية الجمعيات كلّها مكفولة ضمن دائرة القانون"، لافتًا إلى أن "هذا القانون غالبًا ما كان يأخذ بيد، ما أعطاه الدستور بيد. فالمادة الأولى من قانون المطبوعات، مثلا، نصّت على أن "المطبعة والصحافة والمكتبة ودور النشر والتوزيع حرّة، ولا تقيّد هذه الحريّة إلاّ في نطاق القوانين العامة وأحكام هذا القانون".
وأشار إلى أن "أخطر ما تتعرّض له الصحافة اللبنانية من "رقابة مؤخّرة"، إذا صحّ التعبير، هو رقابة المحاكم التي يمنع عليها قانون العقوبات أن تتيح لمرتكب الذم، تبريرا لنفسه، أن يثبت حقيقة الفعل موضع الذم أو إثبات اشتهاره. هكذا حوكمت صحيفة النهار والصحافي نقولا ناصيف منذ سنوات في معرض نشر معلومات ترتبط بأداء أحد المسؤولين، على الرغم من إثبتات صحة المنسوب لهذا الأخير. وما كانت إلاّ أشهر قليلة حتى تغيّر الظرف السياسي ولوحق ذاك "المسؤول" بالإستناد إلى المعلومات ذاتها".
ورأى أن "وسائل التواصل الاجتماعي تفرض ذاتها على المشهد الإعلامي والمحررون فيها ليسوا بالضرورة منتسبين إلى النقابة ولا هم حتى من أهل الصحافة. كلّ يغني على تغريدة أو "بوست"، بحيث بات الفضاء السيبيري مساحة تعبير لا حدود لها. هل نذهب إلى قوننتها؟ برأيي أن لا. جلّ ما يمكن تنظيمه هو حدود القدح والذم والتحقير. وما سوى ذلك... فضاء!"
وتساءل بارود: "لماذا هذا الحرص على حرية الصحافة وعلى رفع الحصار عنها؟ ولماذا الحرص على ولوج آليات قانونية وتشريعية ترفع الرقابة عن الصحف؟ ببساطة كلية: لأن دور صاحبة الجلالة، بالإضافة إلى دورها في تسهيل حق الإطلاع، هو السعي إلى تسهيل الــ "لا" التي كتب عنها عام 1949 المفكر ميشال شيحا، أحد أباء دستورنا، قائلاً: " في أكثر البلاد تقدّمًا، ينصاع الناس بحرص ويخضعون بدقّة لأنظمة شديدة. ولكن تلك البلاد هي التي يعرف فيها الناس كيف يقولون "لا"، بالقدر الأكبر من القوة ورباطة الجأش".