انتهت الاعفاءات، وباتت الدول الثماني، الهند والصين وتايوان وكوريا الجنوبية وتركيا واليابان واليونان وإيطاليا، في مرمى العقوبات الأميركية إذا استمروا في شراء النفط الإيراني، علما أن التصريحات التركيّة والصينيّة تشير الى عدم نيّتهما وقف عمليات الشراء لأسباب بعيدة عن السياسة وتتعلق بطبيعة المصانع والمعامل والتجهيزات.
في العام الماضي، عندما أطلقت الولايات المتحدة الاميركية اولى هجماتها الاقتصادية على سوق النفط الايراني، تراجعت صادرات إيران النفطية حوالي 53.5 بالمئة، ولكنها اليوم قاب قوسين او أدنى من الوصول الى "صفر" وهو ما تسعى اليه اميركا، من خلال إنهاء الاعفاءات التي كانت ممنوحة للدول المذكورة أعلاه، الامر الذي خلق نوعا من الاختلاف بالرأي بين الرئيس الإيراني حسن روحاني من جهة والمرجعية العليا من جهة اخرى، حول طريقة المواجهة.
يرى فريق الرئيس روحاني أن التفاوض المشروط مع الولايات المتحدة الاميركيّة قد يكون خيارا مطلوبا في المرحلة الحالية، خصوصا بظل شبه تخلّ أظهره حلفاء إيران، وبالأخص روسيا والصين، بينما يعتبر المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي أن التفاوض مرفوض وممنوع على إيران تقديم أي تنازل.
إن هذا الواقع الذي لم يرقَ لمستوى الخلاف الذي قد تعوّل عليه الادارة الأميركيّة، لن يطول اذ ان العالم اجمع يترقّب ما ستؤول إليه القرارات الإيرانيّة التي من المفترض أن تصدر اليوم من المرجعيات الأعلى في طهران. فمنذ أيام والصحافة في إيران ومعها كل المسؤولين يتوعدون واشنطن بقرارات ستكون، حسب وصفهم، توازي القرارات الأميركيّة الأخيرة بحق بلدهم، فكثرت التحليلات حولها، ولعل أبعد ما ذهبت اليه التحليلات كان اتخاذ قرار بإقفال مضيق هرمز، علما أن هذا القرار لن يكون سهلا، لا اتخاذه ولا تطبيقه، ولن تكون إيران بحال اتخذ، بمنأى عن نتائجه السلبية.
إن هذا الترقّب للموقف الإيراني بحسب أوساط مطّلعة، يتزامن مع انتظار وصول حاملة الطائرات الأميركيّة ابراهام لنكولن التي تمّ ارسالها إلى المنطقة كـ"رسالة تحذيريّة لايران" حسب وصف مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون، وهذا ما يُنذر بفترة حامية تنتظر المنطقة، خصوصا وأن وصول هذه القطعة البحرية يتزامن مع ما نشرته مؤخراً صحيفتي "وول ستريت جورنال" وهآرتس حول "المخطط الإيراني الذي كشفته إسرائيل وأبلغته لأميركا، والذي يهدف لاستهداف المصالح الأميركيّة في الخليج واليمن". وفي هذا السياق تشير الأوساط الى أن إيران لن تقدم على أيّ فعل عسكري أبدا، فهي جاهزة لرد الفعل فقط، وبالتالي ما تحاول الصحافة الاسرائيليّة اشاعته هو لزيادة الضغط على إيران من خلال رفع مستوى منسوب القلق الاميركي من القرارات الإيرانية، والوصول الى اتخاذ خيارات كالتي اتخذتها إدارة ترامب بما يخصّ حاملة الطائرات.
وترى الأوساط المتابعة أن "ما يحدث بين أميركا وإيران من معركة عضّ أصابع يمكن اعتباره واحدا من أكثر المواجهات السياسيّة والدبلوماسيّة تعقيدا في السنوات الماضية، مع استخدام الأمن والعسكر كعناصر تخويف لصناعة ظروف مناسبة إما للمواجهة أو للتفاوض"، مشيرة إلى أن درجة الحرارة تزداد سخونة بين البلدين".
وعليه، فإن للقرارات الإيرانيّة التي يفترض اتخاذها اليوم تأثيرا كبيرا على مستقبل المنطقة، كذلك لا يجب إغفال الدورين الروسي والصيني، فرغم عدم تحرك القيادة الروسيّة بجدّية بعد، الا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي جاهد بالسنوات الماضية لحجز مقعد عالمي الى جانب الولايات المتحدة الاميركيّة لن ينصاع بسهولة لقرار منعه من استيراد النفط الإيراني.