تقف العلاقة حالياً بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي على حافة الهاوية، واتى اللقاء الاخير الذي جمع ممثلين عن الطرفين برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ليؤكد هذا الواقع. لا يمكن وصف ما ربط الحزبين سابقاً بأنه "سمن وعسل"، فالتوتر كان قائماً ولكنه انحصر في مساحة معيّنة اتفق الطرفان على عدم توسيعها مخافة ان تنتشر وتأخذ الامور منحى يصبح من المستحيل معه اعادة وصل ما انقطع.
اللافت ان الوضع اليوم بين حزب الله والاشتراكي (بشخص النائب السابق وليد جنبلاط)، اخذ يشبه بنواح كثيرة منه، الوضع الذي كان سائداً بين الحزب وتيار المستقبل حين احتدمت الامور بينهما وكادت ان تطور الى مواجهات سنّية–شيعية اراد الجميع تفاديها مهما كان الثمن، فعقدت لقاءات برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري للتوفيق بين الجانبين، كان مفعولها سريعاً بحيث بقيت الامور تحت السيطرة.
وانطلاقاً من مبدأ "ما شابه اليوم بالامس"، عادت اللقاءات برعاية بري نفسه، مع اختلاف في احد الطرفين حيث استبدل الاشتراكي "تيار المستقبل" مع فارق اساسي وهو ان المشكلة لا تتعلق بخلاف مذهبي، بل بخلاف سياسي، اضافة الى ان جنبلاط لا يضاهي بما ومن يمثل قوة "تيار المستقبل" بما ومن يمثل. انطلاقاً من هذه الوقائع، يظهر ان بري اراد "انقاذ" رفيقه في المشوار السياسي الطويل -اي جنبلاط- ورأى ان افضل طريقة لابقاء الامور تحت السيطرة هي في العودة الى تجربة حزب الله-المستقبل التي كانت ناجحة بكل المعايير. هذه الخطوة تصب في صالح الجميع، ولكن جنبلاط هو اكثر المستفيدين منها، ففقدانه دور "بيضة القبّان" في الآونة الاخيرة، جعل مواقفه تكتسب صفة التطرف في الخيارات، الى حد بات من الصعب معه العودة الى السابق. من هنا، وبدل ان يجد جنبلاط نفسه في مواجهة متعددة او في معركة قويّة قد يخسر فيها اكثر بكثير مما قد يربحه، كانت اللقاءات برعاية بري المخرج الافضل، فضلاً عن كونها تصب ايضاً في خانة رئيس المجلس الذي وفّر على نفسه وضعاً صعباً بفعل مواقف جنبلاط، خصوصاً تلك المتعلقة بمزارع شبعا، التي حرجته امام حزب الله وامام شريحة كبيرة من اللبنانيين.
اما الحزب فكسب من خلال هذه الخطوة، اغلاق باب آخر قد يُفتح عليه من الداخل، في وقت هو احوج ما يكون اليه الى التركيز على كيفية مواجهة العقوبات الاميركيّة من جهة، والابقاء عى حضوره الفاعل على الساحتين اللبنانية والسوريّة من جهة اخرى. واذا كانت اللقاءات السابقة بين الحزب و"المستقبل" قد حققت اهدافها، فإن اللقاءات التي من المرجح ان تعقد بين الحزب والاشتراكي سيكون لها المفعول نفسه، ولا يتوقع احد ان تتطور الى حدّ التناغم التام بينهما في القضايا والمواضيع الرئيسيّة، انما الغاية الحقيقيّة هي في تفادي ايّ احتكاك شعبي ميداني قد يؤدّي الى تفاقم الامور وتطورها بشكل سلبي لا يرغب به احد.
يقول البعض ان مواقف جنبلاط المتقلّبة تضعه كل يوم في مكان، ولكن هذه المرة أدّت هذه الى افقاده ميزة اساسيّة كان يتمتع بها وهي ان يكون "بيضة القبّان" من خلال ابقاء خيوط بينه والجميع، يقدر من خلالها الحفاظ على "الطلب عليه" في ظل الصراعات السياسيّة والطائفيّة التي كانت قائمة، ولا تزال، ونجح في السابق ان يكون بالفعل اللاعب الابرز على الساحة الداخلية، الى ان تغيّرت الامور وانقلبت الاوضاع لتتحول الى ما هي عليه حالياً. فهل سيكون الحلول مكان "تيار المستقبل" الخطوة الناجعة لاعادة صورة جنبلاط الى ما كانت عليه؟.