نظمت جامعة الروح القدس – الكسليك، بمناسبة اليوبيل الذهبيّ لتأسيس معهد الليتورجيا،المؤتمر الدوليّ حول "التراث السريانيّ الشعريّ – الموسيقي ّ، برعاية البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، كما حضر البطريرك مار اغناطيوس الثالث يونان، ورئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية الأب العام نعمة الله الهاشم، والآباء المدبرين في الرهبانية ورئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة، إضافة إلى حشد من الأساقفة والرؤساء العامين والآباء وأعضاء مجلس الجامعة وفعاليّات دينية وتربوية واجتماعية.
وفي كلمة له، هنأ الراعي "الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة وجامعة الرّوح القدس على إنشاء معهد اللّيتورجيّا الذي خلق ذهنيّةً جديدةً في كنيستنا المارونيّة، وبزغ معه ربيع الإصلاح الطّقسيّ فيها، غداة انعقاد المجمع المسكونيّ الفاتيكاني الثاّني. فشكّل هذا المعهد مدرسةً للتّعمّق في مختلف الطّقوس الشّرقيّة ومقارنتها وإبراز أصالتها؛ كما شكّل مركزًا للأبحاث العلميّة، وشرّع أبوابه للكهنة والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين من مختلف الكنائس والأبرشيّات والرّهبانيّات. فتخرّجوا منه بشهادات عليا"، مشيرا الى أن "اللّيتورجيّا ليست مجرّد ممارسات طقسيّة، بل هي حاجة لحياة كلّ إنسان. واللّيتورجيّا وسيلة رفيعة لتربية كلّ إنسان، لأنّ فيها يكلّم الله قلبه، والمسيح يعلن له إنجيله، والشّعب يجيب بالأناشيد والصّلوات. وهكذا تكون اللّيتورجيّا الينبوع الأوّل والضّروري الذي منه يكتسب الكهنة والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّون الرّوح المسيحيّة الحقّة، على المستوى العقائديّ والأخلاقيّ والرّاعويّ".
من جهته، شكر رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة، "الراعي لأنكم تكرّمتم ووضعتم اليوبيل الذهبي لتأسيس معهد الليتورجيا وتكريم مؤسسه قدس الأباتي يوحنا تابت، تحت رعايتكم وبحضوركم الشخصي لما لهذين الالتفاتتين من مدلولات ومضامين"، مضيفا: "جميعنا يعرف جيدا أن كلمة ليتورجيا الوافدة إلينا من لغة الإغريق، Leitos إي الشعب، وErgon أي عمل أو خدمة الشعب، تغطي بمعانيها الواسعة جميع طقوسيات يومياتنا، حتى تصل إلى تمام مضامينها في خدمة الجماعة المصلية لاحتفالية اللقاء مع الله واستضافته في قلوبها المتوسّلة. ليس ما يوازي العمل الليتورجي مهابةً ومسؤولية، ابتداء بالكلمة والموسيقى، مرورا بالرموز والحركة وانتهاء بالخشوع والارتقاء. كل ما نتلقنه في اللاّهوت ونتذهّنه باهتمام وجوع ومشقة وصبر، نعيشه بفرح ودهشة وانخطاف في الليتورجيا".
ولفت الى أنه "كثيرا ما ننتقد كموارنة أننا لا نتقن فنّ العمل معا، بينما نبدع في الإنجازات الفرديّة. قد يكون هذا القول صحيحا في جزء منه، غير أن النهضة الليتورجية التي شهدتها جامعة الروح القدس الكسليك تقدم إثباتا بليغا معاكسا. لم تكن هذه الحركة لتعطي الثمار التي نعرفها لولا شخصان استثنائيان، بالإضافة إلى محورية الأباتي تابت، الأب لويس الحاج والأب روفايل مطر".
أما الأب نعمة الله الهاشم فقال: "إنّه الروح القدس، هو الروح القدس الذي أوحى بتأسيس دير مار مارون إثر المجمع الخلقيدوني، فزُرِعَت بذرة شجرة مميّزة في حديقة الكنيسة والملكوت. شجرة نمت بعناية الله في قلوب وضمائر وأذهان مئات من الرهبان كرّسوا حياتهم بكليّتها لله ولإنماء ملكوته، فامتدت جذورُها لتستقي الماويّة من كلمة الله في الكتاب المقدس وفي التقليد الكنسي، مرتكزة على التقليد الآبائي الانطاكي السرياني، مع إخلاص دائم للعلاقة مع كنيسة روما، وتفاعل منقطع النظير مع التقاليد الكنسيّة المحيطة بها، الصديقة والأقل صداقة.
وأضاف: "هو الروح القدس الذي جعل هذه الشجرة تزهر وتثمر، ونضجت الثمار بعد مئتي وخمسين سنة ونيّف على تأسيس الدير، فكان تأسيس الكنيسة المارونيّة، عبر انتخاب رئيس الدير بطريركا، أولى هذه الثمار وأهمّها، وكان التقليد الليتورجي المميّز، الرهبانيّ النكهة، أشهاها.وكرّ الزمان، والشجرة تنمو وتزهر وتثمر، أمينة لجذورها المشرقيّة ولعلاقتها بكنيسة روما، مرتكزة على روحانيتها الرهبانيّة.وهو الروح القدس ذاته الذي أفرخ غصنا مميزا في هذه الشجرة، غصنَ تجديد الحياة الرهبانيّة، فكان التجديد الكنسي مع المجمع اللبناني والتجديد الطقسي مع الصلوات التي ترجمها وألّفها الرهبان وعلى رأسهم قراعلي"
وشدد على "إنّه الروح القدس المؤيّد الذي أيّدهم في تحقيق هذا الإنجاز يوم كان لبنان مشتعلا بنار الحرب، فانكبوا، مع أبناء الرهبانيّة جميعا، كلّ بما حباه الله من مواهب، على صياغة الجمال لمخاطبة الله، يوم كانت قوى الشرّ تعبث بلبنان تهديما وخرابا وبشاعة. فأنجزوا سنة بعد سنة جزءا بعد آخر من كتب الدورة الطقسيّة المارونيّة، وجاءت النتيجة ملحمة شعريّة ونثريّة غير مسبوقة في اللغة العربيّة، وسمفونيّة موسيقيّة رائعة، ولوحة فنيّة تضاهي أشهر اللوحات".