سيذهب المواطنون الى مراكز الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لكنّهم لن يتمكنوا من انجاز معاملاتهم، لأن الكلمة الأولى والأخيرة داخل المراكز ستكون للإضراب التحذيري الذي أعلنته نقابة مستخدمي الضمان إعتراضاً على مادتين في مشروع الموازنة العامة الذي يناقشه مجلس الوزراء.
عندما أضرب موظفو الضمان الأسبوع الماضي تعطّلت أيضاً معاملات المواطنين، وهناك بين المرضى من أضطرّ الى تأجيل جراحة، لأنه لم يتمكن من الحصول على الموافقة المسبقة بسبب الإضراب المذكور. يومها علت الصرخات الشعبيّة بوجه موظفي الضمان تحت عنوان "صحة المواطنين ليست لعبة بين أيديكم"، واليوم قد يتكرر سماع هذه الصرخات، لكن لموظفي الضمان أيضاً، صرخاتهم.
وفي هذا السياق تكشف المصادر المتابعة أن إعتراض موظفي الضمان يتركز على مادتين في مشروع موازنة العام ٢٠١٩، المادة الأولى تحمل الرقم ٦١ والتي تتحدث عن توحيد الرواتب الإضافيّة السنويّة في المؤسّسات العامة، وعلى هذا الصعيد عُلم أن مجلس الوزراء قرّر وضمن إطار التخفيضات الماليّة، إعتماد ١٤ راتباً سنوياً لموظفي الضمان وأوجيرو ومؤسّسات أخرى علماً أن معدل رواتب موظفي الضمان هو الأدنى بين المؤسسات العامّة، وبما أنهم يتقاضون ١٥ راتباً في السنة الواحدة ما يعني فعلياً خسارتهم لراتب واحد وهنا تكمن المشكلة. لماذا؟ يقول مصدر بارز في الضمان " لأنّ المساواة بيننا وبين موظفي المؤسسات الأخرى في الدولة ومن بينهم أوجيرو لا تجوز لا بل جائرة ولا تمت الى العدل بصلة"، ويضيف "عندما أقر مجلس النواب سلسلة الرتب والرواتب، حصل عليها موظفو القطاع العام، منهم من إرتفع راتبه لدرجات ثلاث ومنهم من زاد بنسبة ٢٥٪ أو أكثر، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبح راتب رئيس الدائرة في أوجيرو أكثر من خمسة ملايين ليرة بينما بقي راتب رئيس الدائرة في الضمان حوالى مليوني و٢٠٠ ألف ليرة كل ذلك لأن موظفي الضمان لم يحصلوا على سلسلة الرتب والرواتب، وكل ما تقاضوه يومها هو زيادة ٢٥٠ ألف ليرة فقط على الرواتب سمّاها المسؤولون يومها سلفة على غلاء المعيشة". أمام هذا التفاوت في الرواتب يقول المصدر البارز في الضمان، " إذا إنتزعت الموازنة العامة من موظفي أوجيرو أو القطاع العام راتباً سنوياً تكون فعلياً قد خفضت قيمة الزيادة التي حصلوا عليها بفعل سلسلة الرتب والرواتب، أما إذا إنتزعوا من موظفي الضمان راتباً واحداً في السنة كوننا نتقاضى ١٥ راتباً، وقيمة هذا الراتب بالتأكيد تفوق أضعاف أضعاف السلفة التي حصلنا عليها وبلغت ٢٥٠ ألف ليرة، تكون الدولة قد مدّت يدها عملياً الى رواتبنا التي كانت معتمدة قبل إقرار السلسلة وهذا أمر مرفوض على الإطلاق لأنّ ما من دولة في العالم تعتمد التميّز بين موظفيها وبفوارق ماليّة ضخمة كتلك المعتمدة في لبنان.
أضف الى هذه المادة، هناك مادة أخرى في الموازنة تعفي الدولة من فوائد ديونها المستحقّة للضمان، وفي شرح مفصل أكثر، الدولة "مَدِينة" للضمان بمبلغ يقارب الـ٢٥٠٠ مليار ليرة، وقد تعهدت بإعادة هذا الدين مع فوائده وقد صدر هذا التعهّد بأكثر من قانون، قيمة هذه الفوائد على الدين حوالي ٤٠٠ مليار ليرة، وهذا ما تحاول الحكومة إعفاء نفسها من دفعه في موازنة العام ٢٠١٩، الأمر الذي تعترض عليه إدارة الضمان، وفي هذا السياق تردّدت معلومات في اليومين الماضيين عن وعد تلقّته إدارة الضمان من وزير المال علي حسن خليل بدفع الدين وفوائده، "لكن الوعد يبقى وعداً ما لم يترجم بمشروع الموازنة، يقول المتابعون لهذا الملف في الضمان".
إذاً المواجهة بين الضمان الإجتماعي والحكومة مفتوحة والإضراب سلاح يتمّ اللجوء اليه عند الحاجة لرفع الغبن اللاحق بموظفيه، حتى لو تسبب ذلك بضرر مباشر على صحّة المواطنين، "في النهاية نحن مواطنون أيضاً ومن ذوي الدخل المحدود لذلك لا يجب المسّ برواتبنا" يقول موظفو الضمان الإجتماعي.