يبدو أن القوى الأساسية المؤثرة في البلاد والمشاركة في الحكومة، عازمة على الإنتهاء من دراسة الموازنة، لإقرارها في مجلس الوزراء، تمهيداً لإحالتها الى المجلس النيابي، فلاريب أن التفاهم عليها، يؤمن جزء كبير من الإستقرار المطلوب، لإنجاح عمل الحكومة الراهنة، والعهد بأكمله، لإن الموازنة هي مرآة عمل الدولة، والحكومة بخاصةٍ، بالتالي عدم وجود موازنة، كما حدث في الأعوام الفائتة، قبل وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، هو مؤشر فشل الحكومات السابقة، والقوى المشاركة فيها. الأمر الذي تنبه له الرئيس عون، وفريق عمله، بالتالي تجنبا الوقوع به مجدداً، لأن غياب الموازنة يوسم العهد "بالفاشل". لذلك أصر رئيس الجمهورية على الحكومة ضرورة الإلتزام بالمواقيت المحددة لدراسة الموازنة، وإقرارها في مجلس الوزراء، ثم إحالتها الى البرلمان. كذلك أبدت المكونات المشاركة في الحكومة عزمها على التفاهم على موزانة عادلة، تحظى بالتوافق المطلوب لإقرارها. لأن عكس ذلك، يعكس فشل هذه الحكومة، ومكوناتها في آنٍ معاً.
إذا، ليس لمصلحة أي فريق مشارك في الحكم، محاولة الإلتفاف على العهد، وإستهدافه، كونه يشكل إستهدافاً لعجلة سير عمل مؤسسات الدولة بأكملها، لذلك تبدي جميع المكونات المذكورة حرصاً على تمرير الموازنة، خصوصاً فريق المقاومة، الذي يتصدى بكل قوته لإنهيار الدولة، فمن المؤكد والمسلم به أن وجود دولة قوية، تسهم في شكلٍ أساسيٍ، في حماية هذه المقاومة، وإنهيار الدولة، وإنتشار الفوضى، يشكل خاصرةً رخوة، وأرض خصبة، لإشغال المقاومة في الخلافات الداخلية، ومحاولة ثنيها عن التركيز على مواجهة العدو الإسرائيلي، والتكفيريين، إذا حاولوا ضرب الإستقرار اللبناني مجدداً.
إذا، من المسلم به أن إستهداف عهد العماد عون، هو إستهداف لحزب الله، بالدرجة الأولى، كون الأول، والتيار الوطني الحر، هما الحليفان الأساسيان للحزب، ويسهمان في شكلٍ كبير في تأمين الحاضنة الشعبية له، خصوصاً لدى الشارع المسيحي، فتجربة عدوان تموز 2006، لاتزال ماثلة أمام أعين الجميع، التي أثبت من خلالها "التيار" صدقية التزامه بتحالفاته، رغم التهويل والتهديدات والضغوط التي مورست عليه وعلى رئيسه العماد عون في حينه، فلم يتزحزح قيد أنملة، وبذل كل ما بوسعه، لحماية حليفه، وكان الثمن آنذاك، الإعتداءات المتكررة على ناشطي "التيار"، ومقاره، بالإضافة الى عرقلة وصول العماد عون الى الرئاسة الأولى في حينه، إنطلاقاً من هذه المسلمات، يمكن إعتبار ما نشرته صحيفة الأخبار تحت عنوان "واشنطن ليكس" تسريباتٍ مصدرها وزارة الخارجية اللبنانية، الذي يشكل جرماً يحاسب عليه القانون، ثم تحرك القضاء المختص، وأصداره إستنابة قضائية، كلف بموجبها جهاز أمن الدولة، القيام بالمقتضى القانوني، لمعرفة الجهة التي تقف وراء التسريبات، التي حركت بدورها، وكلفت دورية من الجهاز المذكور الذهاب الى مبنى جريدة الأخبار، للإطلاع على كاميرات المراقبة في المبنى، لمعرفة المسرب، الأمر الذي دفع القييمين على هذه الصحيفة، بشن حملة إعلامية على وزير الخارجية جبران باسيل، المدافع عن المقاومة في المحافل الدولية، والذي يطالب بعودة العلاقات الطبيعية مع سورية أيضاً، لايعدو كل الأمر سوى شغف أي صحيفة، أو وسيلة إعلام نشر سبقٍ صحفي، وهذا حقها، رغم ردود أفعال هذا الجهاز الأمني، على أقدمت عليه "الأخبار"، فهل يعقل أن يعمل رئيس تحريرها إبراهيم الأمين المؤيد لخط المقاومة ضد نفسه؟ وسبق للمرحوم غسان تويني أن سجن في العام 1973 بتهمة إفشاء أسرار الدولة، عندما سربت جريدة "النهار" بنود اتفاق القاهرة السري بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية والذي أحدث ضجة سياسية في البلاد آنذاك، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
في المقابل، جل ما قصده باسيل، هو التشدد في تطبيق القوانين في وزارة الخارجية، ومحاسبة كل من يخرج عن الإنظمة، لأن نشر محاضر دبلوماسية سرية، يسيىء الى سمعة لبنان في الخارج، وعلاقته مع الدول الصديقة.