لا ترتقي الهجمات العسكريّة التي يشنها الجيش السوري في منطقة خفض التصعيد شمالي البلاد الى مستوى اعتبارها كمؤشر انطلاق معركة ادلب الكبرى. اذ يؤكد مطلعون على العمليات التي تكثفت نهاية شهر نيسان الماضي انها تندرج باطار الضغط على المسلحين للاستسلام وعلى المدنيين للخروج، خصوصًا وأن محافظة ادلب وحدها تأوي نحو 3 ملايين نسمة ما يجعل ايّ عمليّة عسكريّة واسعة على المنطقة مكلفة انسانيا، ما يدفع القيادة السوريّة لاستخدام كل الاوراق التي لا تزال متاحة بين يديها للتخفيف من التكلفة المرتفعة المرتقبة للعمليّة، على الصعد كافة.
ويتعرّض ريف إدلب الجنوبي مع مناطق محاذية له في محافظات أخرى تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام"، لقصف كثيف منذ نحو أسبوعين، علمًا ان المنطقة مشمولة باتفاق روسي-تركي تم التوصل إليه العام الماضي. وبحسب المعلومات، فانّ اجتماع آستانة الأخير مهّد لانطلاق الهجمات العسكريّة المحدودة التي يتمّ شنها بعد اقرار أنقرة بعدم قدرتها عسكريا وسياسيا على الايفاء بالتزاماتها بما يتعلق بكفّ يد المجموعات المتطرفة، ما دفع موسكو ودمشق لاعتبار الاقرار التركي بمثابة ضوء أخضر لانطلاق العمليات.
وكان القائد العام لهيئة "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني اعتبر مؤخّرًا في تصريحات له أن العمليات العسكرية لقوات النظام تظهر "سقوط الخيارات السياسية، وهذا ما كنا ننادي به منذ زمن، وبات خيار الشعب والفصائل هو الخيار العسكري". وأشار إلى أن الهيئة وضعت الخطط اللازمة لمواجهة أيّ تقدم لقوات النظام، وأرسلت تعزيزات عسكرية إلى جنوب إدلب.
واوضح الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط أنّ العمليّات العسكريّة التي يشنها الجيش السوري هي تمهيدية لها 3 أهداف رئيسية، أولا تهيئة البيئة العملانية من خلال تسوية خطوط التماس بشكل يمكّن لاحقا من الانطلاق السريع للمعركة الحاسمة. ثانيا، الضغط الميداني لحمل أكبر عدد ممكن من المدنيين على الخروج من ميدان المعركة لتخفيف الخسائر المتوقعة قدر الامكان. اما الهدف الثالث، فجسّ نبض المجموعات المسلّحة وما اذا كانت جاهزة لعقد مصالحات تخرجها من الميدان. وأضاف حطيط: "حتى الساعة حقّقت هذه العمليات نجاحا تاما سواء على الصعيد العملاني او الانساني او الاستراتيجي، سواء مع دخول الجيش السوري حدود ادلب الاداريّة او مع انهيار معنوي بصفوف المسلحين وصولا الى خروج ما بين 300 و 350 الف مدني من المنطقة".
وأشار حطيط الى أن الأتراك وضعوا خلال اجتماعات آستانة الاخيرة امام حلين، اما القيام بما تعهدوا به بعد تأخر دام 7 اشهر، او التزام الصمت في حال قرار القيادة السوريّة شن ايّ حملة عسكرية على المنطقة، وقد سارت أنقرة بالحل الثاني وان كان بشكل غير معلن.
ويبدو واضحا انّه ورغم دعوة وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو نظيره الروسي سيرغي لافروف، الى إيقاف الهجمات التي تستهدف منطقة خفض التصعيد شمالي سوريا وانضمام وزير الدفاع التركي اليه في هذه المطالبة، فان التفاهم الروسي–التركي لا يزال متينا جدا وليس قابلا للاهتزاز. اذ يعتبر رئيس مركز "الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري–انيجما" رياض قهوجي ان هناك توافقا تركيا روسيا على اية مناطق قد تتخلى عنها أنقرة نتيجة العملية العسكرية الحالية، من دون ان يمس ذلك بالقاعدة العامة التي تقول بتقاسم المصالح بين البلدين في الشمال السوري، لافتا الى ان الروسي قد يكون بمقابل تنازلات التركي وافق على اعطاء منطقة تل رفعت في ريف حلب لأنقرة. واضاف قهوجي: "قد نشهد في الاشهر القليلة المقبلة على عمليات قضم متدرج من جانب الطرفين لأراض في شمال سوريا مع تحقيق مكاسب قليلة لايران، التي تخشى على مناطق نفوذها وبالتحديد نبل والزهراء، على ألاّ تمس كل هذه المتغيّرات مناطق سيطرة واشنطن شرق الفرات والتي ستبقى لا شك خارج المعادلة".
فهل تكون التفاهمات الايرانية–الروسية–التركية متينة لدرجة محافظة كل فريق على مصالح الفرق الآخر؟ ام اننا قاب قوسين او أكثر من انقلاب عسكري كبير في المشهد السوري بعد تعثر طويل للمسار السياسي؟.