فيما كان مجلس الوزراء يعمل على دراسة وتحليل مشروع الموازنة العامة، زار رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون الاسبوع الماضي. يومها لم تكن الموازنة طبقا على مائدة البحث، بل مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل.
خلال ذلك اللقاء تم التوافق على موقف لبناني موحد لجهة ترسيم الحدود، وتُرجم الامر من خلال رسالة سلّمها عون للسفيرة الاميركية أليزابيت ريتشارد، فيها بعض الأفكار المقترحة لآلية عمل ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. اللافت في الرسالة كان التوافق اللبناني الجامع حولها، وتحديدا للسلطات الثلاث، ومضمون هذا التوافق بحسب ما تكشف مصادر سياسية مطلعة يقضي بقيام الأمم المتحدة بترسيم الحدود كما فعلت مع الخط الأزرق عام 2000، وإدارة تفاوض غير مباشر عبر لجنة الهدنة، مع تأكيد التمسك اللبناني بكامل المنطقة الاقتصادية البحرية ونقاط التحفظ البرية.
يشدد القرار اللبناني على ترسيم الحدود بحرا وبرا بشكل متكامل، دون المضيّ بنقطة دون اخرى، وذلك بحسب المصادر لكي لا يُستفرد لبنان في مكان ما، ولكي لا تكسب اسرائيل امتارا اضافيا، ولكي لا تصل الى ترسيم البحر الذي تريده وتسعى اليه أولا، ومن ثم تتنصل من أي اتفاق بشأن البر، فجلّ ما يهم اسرائيل ومعها أميركا اليوم هو ترسيم الحدود البحرية لضمان النفط والغاز.
إن القرار اللبناني الجديد والذي انطلق بحسب المصادر من اقتراح رئيس المجلس النيابي الذي قدّمه إلى وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو خلال زيارته الاخيرة للبنان، وتمّ قبوله حينها من بومبيو، قد يعني إعادة إحياء اللجنة الثلاثية بين لبنان واسرائيل والأمم المتحدة، تحت الرعاية الاميركية، من أجل بحث ملف الحدود، وهذا ما قد يكون الحل الأفضل للوصول الى نتائج دون التفاوض المباشر مع اسرائيل، مع العلم أن الإدارة الاميركية قد حاولت مرارا اقتراح التفاوض بين لبنان واسرائيل فقط، على أن يتمّ توقيع الاتفاق النهائي برعاية الامم المتحدة.
بعد أقل من أسبوع على تسليم الرسالة اللبنانية الى الولايات المتحدة الاميركية، قرّر نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد العودة الى بيروت مجددا لبحث ملف ترسيم الحدود، وكان نهاية الاسبوع الحالي أو بداية الاسبوع المقبل على أبعد تقدير، الا أن وفاة البطريرك الماروني السابق مار نصر الله بطرس صفير قرّبت الزيارة، وفيها سيكون ملف الترسيم عنوانا وحيدا للقاءات ساترفيلد السياسية "المعلنة"، اذ وبحسب المصادر فإن المبعوث الاميركي لا يزور لبنان دون عناوين فرعية يناقشها مع "حلفاء" و"أصدقاء" اميركا في لبنان.
وتؤكد المصادر أن لبنان لا يعلم بعد الجواب الذي يحمله ساترفليد بشأن الخطوة اللبنانيّة الجديدة في هذا الملف، الا أنه يُدرك "حجم" الاهتمام الاميركي به وبضرورة إنهائه بسرعة، مشيرة الى أن ترسيم الحدود البرية سيفتح ملف مزارع شبعا، اذ عندما تُرسّم الحدود سيطالب الاسرائيليون بضم المزارع الى القرار 242 على أنها تابعة للجولان، الامر الذي سيضع لبنان أمام امتحان اثبات لبنانيتها، وضمها الى القرار 425.
هي من المرات النادرة التي يكون فيها موقف لبنان موحدا من قضية بهذا الحجم، خصوصا وانها قضيّة حاسمة وغير قابلة لأي تنازل، لأنها أولا تدخل في صميم السيادة الوطنية، وثانيا بسبب أهميتها الاقتصاديّة، خصوصا وان الحدود متى رُسّمت سيصبح عمل شركات النفط في بحرنا أسهل.