تطرح التطورات في الخليج العربي الكثير من علامات الاستفهام حول الهدف منها، لا سيما أنها تأتي في ظل توترات غير مسبوقة على مستوى العلاقات الأميركية الإيرانية، نتيجة السّياسة المعتمدة من قبل واشنطن لناحية تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران وحلفائها على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
ضمن هذا السياق، يأتي استهداف طائرات مسيّرة، أمس، محطتي ضخ لخط أنابيب النفط، ما أدّى إلى تضرر سوق الأسهم في السعوديّة، العمليّة التي تمّ تبنيها من قبل "حركة أنصار الله" اليمنية، "رداً على العمليّات العسكرية السعوديّة في اليمن"، إلا أن الأخطر هو ما حصل، قبل أيام، أي عملية استهداف البواخر في ميناء الفجيرة الإماراتي "الغامض"، نظراً إلى أن أي جهة لم تعمد إلى تبني هذا الاستهداف بشكل علني وواضح.
وفي حين يذهب البعض إلى أنه لا يمكن عزل هذين الحدثين عن توتر العلاقات في الخليج، خصوصاً عند مضيق هرمز بين الدول العربية، وخلفهم أميركا، والجمهورية الإسلامية في إيران، هناك من يرى أن هجوم الفجيرة هو الأخطر، نظراً إلى أنه يفتح الباب أمام السؤال عما إذا كانت الجهة المنفذة لديها مصلحة في رفع مستوى التوتر بين الجهات المتصارعة، حيث أن طهران، المتهم الأول من قبل الدول الخليجية ولو بشكل غير معلن، سرعان ما أعلنت عن استنكارها لما حصل، واضعة إياه في سياق السّياسات الخليجية التي تشجّع الإرهاب.
هذا الموقف الإيراني هدفه، من حيث المبدأ، تبريد الأجواء وابعاد التهم عن طهران. ورغم عدم وجود أيّ دليل على مسؤوليّة إيران بالموضوع، إلا أنّ السعوديّة حاولت وما زالت تحاول التسويق في الإعلام العربي والدولي بأنّ طهران هي من يقف خلف هذه العمليّة.
في الجانب الأميركي، وجّهت الاتهامات في حادثة الفجيرة إلى إيران، أو جماعات تابعة لها، باستخدام متفجرات لإحداث فجوات في السفن التي جرى مهاجمتها، حيث كشفت التحقيقات أن حجم الفجوات يتراوح بين 5 و 10 أقدام، ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للذهاب إلى مواقف تصعيديّة جديدة، حيث كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن "إدارته تراجع خططها حول الشرق الأوسط بطلب من مستشار الأمن القومي جون بولتون، وأن الخطط تتضمن إرسال 120 ألف جندي إلى المنطقة، دون أن يكون على جدول الأعمال غزو إيران لأن ذلك سيتطلب عددا أكبر بكثير".
وفي حين كان بعض المسؤولين الإيرانيين قد عمدوا إلى توجيه الاتهامات إلى إسرائيل بالوقوف وراء حادثة الفجيرة، فانّ العودة إلى الوراء تكشف أن هناك إصراراً أميركياً إيرانياً على عدم ترك الأمور تذهب إلى المواجهة العسكريّة المباشرة، الأمر الذي يتأكّد من خلال إعلان ترامب نفسه أنّه يريد من القيادة الإيرانيّة التواصل معه للتفاوض على اتفاق جديد، وهو ما تزامن مع المعلومات عن تسليم الجانب السويسري رقم هاتف خاص، بهدف إيصاله إلى الجانب الإيراني للتواصل مع الرئيس الأميركي، لكن ما يحصل يوحي بأن هناك من يسعى إلى تسريع المواجهة بين الجانبين.
أمام هذا الواقع، السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه يتعلق بالرغبتين الأميركية والإيرانية على هذا الصعيد، فهل ستلجأ واشنطن أو طهران للمبادرة والتواصل مع الجانب الآخر، ولو بصورة غير مباشرة عبر فريق ثالث، لتفادي التصعيد في الأيام المقبلة، أم أن الأمور بدأت فعلاً بالخروج عن السيطرة، لا سيما أن تداعيات التوترات الأخيرة لن تبقى محصورة في منطقة الخليج؟.
في المحصّلة، الأيام المقبلة ستكون مفصليّة على مستوى المنطقة، حيث من المفترض أن تبدأ رغبات كل محور بالظهور بشكل واضح، لكن حتى الآن لا يبدو أنّ الولايات المتحدة أو إيران في طور ترك الأمور تخرج عن السيطرة، فهل يقود ذلك إلى فتح قنوات التواصل بين الجانبين؟.