أكد مفتي الجمهورية اللبنانية السابق الدكتور محمد رشيد قباني في بيان في الذكرى الثلاثين لاستشهاد مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، أنه يستذكر "علمه وفقهه، وفطنته وحصافته وشجاعته وملكاته وقدراته على الحوار وتخلصه في الجدال وهو أستاذ علم المنطق والتوحيد"، وقال: "أستذكر تقواه وصدقه وأمانته وإخلاصه لله رب العالمين، وهو أستاذي في علم المنطق والتوحيد في أزهر لبنان المعهد الشرعي الثانوي التابع لدار الفتوى في بيروت في عامي 1958 و1959".
أضاف: "أستذكر أيضا بكثير من المحبة والإعزاز له محبته لي وتشجيعه لي على المضي في متابعة دراستي لعلوم الشريعة ودراساتها العليا في كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر الشريف في مصر وقد تابعت حتى تخرجت فيها ونلت درجة "العالمية (الدكتوراه) في الفقه المقارن مع مرتبة الشرف الأولى عام 1976"، ونيلي جائزة الامتياز لأوائل المتفوقين في عيد العلم في مصر والحمد لله على إنعامه وتوفيقه لي، وقد رأيت أن أذكر في كلمتي هذه بعضا من مذكراتي في عملي مع المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله تعالى لمدة أكثر من اثنين وعشرين سنة". وتابع: "فبعد تخرجي من جامعة الأزهر بالقاهرة قام المفتي الشهيد بتعييني مساعدا قضائيا في المحكمة الشرعية السنية قي بيروت عام 1968، ثم مديرا عاما للأوقاف الإسلامية عام 1978، ثم أمينا للفتوى في بيروت عام 1984، كما رشحني لعضوية المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية وبقيت فيه عضوا لأكثر من ثلاثين عاما حتى انتهاء ولايتي مفتيا للجمهورية اللبنانية ببلوغي الثانية والسبعين من العمر في 15 أيلول عام 2014م. لقد عملت في المحكمة الشرعية السنية وفي المديرية العامة للأوقاف الإسلامية ودار الفتوى معه رحمه الله طيلة إثنين وعشرين سنة كانت من خيرة سني حياتي في الفقه والعلم والقضاء الشرعي والفتوى والإدارة".
وأشار قباني الى أن "المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد كان رحمه الله تعالى كغيره من العلماء الصالحين الصادقين المخلصين لله في تعرضهم للابتلاء والامتحان والمحن الشديدة ليميز الله الخبيث من الطيب، فابتلاه الله بثلاثة من أقرب الذين وثق بهم فغدروا به وافتروا عليه، وشهروا به افتراء لان له رأيا مغايرا لهم، وانفرد واحد منهم بالتشهير به كذبا بمقالات يومية على صفحات جريدته لسنوات عدة بتركيبات مخابراتية كاذبة لا حدود لها، وكانوا يريدون التحريض على عزله وإسقاطه لأسباب محض سياسية، فما خضع ولا استكان لواحد منهم، حتى قلت له يوما وأنا عنده في مكتبه في دار الفتوى حاملا جريدة التشهير اليومية (..): "يا سماحة المفتي لا يجوز ترك هؤلاء يكذبون ويفترون عليك ويشهرون بك يوميا في تلك الجريدة الصفراء من كثرة الكذب (..) بدون رد منك أو ممن تكلفه بالرد، فرأيته وقد نفرت الدمعة من عينيه فمسحها بيده وقال لي: ماذا أقول يا شيخ رشيد؟ لا تخبر أحدا بما رأيت مني (أي الدمعة التي سالت من عينيه) ثم قال لي: إنهم جماعة مفترون "حسبي الله ونعم الوكيل"، وأنا اليوم بعد خمس وثلاثين عاما من منتصف الثمانينات من القرن الماضي أبوح لأول مرة في كلمتي هذه بدمعة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد من الجراحات التي طالته من بعض الذين وثق بهم، وأنا الذي عملت معه يوميا شاهد على علمه وأمانته وصدقه وإخلاصه وتجرده وشجاعته في قضايا العرب والإسلام والمسلمين والوطن وخاصة في قضية فلسطين وشعبها وتحرير وطنه فلسطين، كما على جهده البالغ في خدمة دار الفتوى ورسالتها الإسلامية والوطنية وفي خدمة الأوقاف الإسلامية وشرائه العقارات الكثيرة لها، وفي التصدي للعوج والانحراف في السياسة والمجتمع ما جعل له خصوما في أكثر من مجال". وقال: "لقد كابد المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد وتحمل كثيرا طيلة حروب الفتنة الأهلية في لبنان منذ نيسان وتفجير أوتوبيس عين الرمانة عام 1976 وحتى استشهاده في 16 أيار 1989 وهو عائد إلى بيته ظهرا من مكتبه في دار الفتوى، اللهم أنزل بالذين قرروا وخططوا ونفذوا وقتلوه عذابا شديدا".
أضاف: "لقد عمل المفتي الشهيد أيضا طيلة حروب الفتنة الطائفية في لبنان مع رؤساء الطوائف اللبنانية على تجنيب لبنان وشعبه ويلات تلك الحروب التي استمرت أكثر من خمسة عشر عاما تنهش بوحشيتها في اللبنانيين مسلمين ومسيحيين ليل نهار وصباح مساء ببعضهم قصفا وقتلا وتدميرا وإعاقة. أذكر جيدا أيضا وصية المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد لي عند كل سفر له أثناء حروب الفتنة الطائفية إلى خارج لبنان لحضور مؤتمرات بخصوص لبنان أو لزيارات دول تسعى لإطفاء وإنهاء حروب الفتنة الطائفية فيه كالمملكة العربية السعودية ومصر والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، حيث كان يقول لي قبل سفره ويوصيني: إنتبه جيدا قد يحدث وأنا مسافر بالخارج أن يتوقف المطار بسبب الأحداث وتتأخر عودتي، عليك أن تتصرف حينئذ كمفتي الجمهورية، وكان يسلمني عند كل سفر قرارا بتوقيعه ويقول لي: أوصيك لا تخبر أحدا بتلك القرارات إلا إذا توقف المطار وتأخرت عودتي، وهذا نص كل قرار: "يقوم أمين الفتوى الشيخ د. محمد رشيد راغب قباني مقام مفتي الجمهورية اللبنانية طيلة فترة سفره خارج لبنان".
ولفت الى انه "بلغ مجموع قرارات المفتي الشهيد لي المماثلة ثمانية قرارات، وما أفصحت عن تلك القرارات لأحد حتى زارني في اليوم التالي لاستشهاده (الدكتور وجيه خاطر) عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المدير العام لوزارة العدل وكان من خيرة رجالات البلد موفدا من قبل رئيس الحكومة آنذاك الدكتور سليم الحص عافاه الله وسألني دكتور وجيه خاطر يومها: هل يوجد لديك أي تكليف خطي من المفتي الشيخ حسن خالد لتقوم بمهامه في اللحظات الحرجة التي يمر بها لبنان، فقلت له: بلى لدي ثمانية قرارات بتوقيعه للقيام بمهام مفتي الجمهورية طيلة سفره خارج لبنان، وأوصاني أن لا أخبر أحدا بذلك إلا إذا كان خارج لبنان وأقفل المطار وتأخرت عودته واستدعت الضرورات لإبراز القرارات والتصرف، ولم أعلم أحدا بذلك من جهتي بعد علم الله تعالى إلا والدتي آمنة موضع سري رحمها الله تعالى، وأنت الآن وأخذ مني الدكتور وجيه خاطر القرارات الثمانية، وما تلا ذلك ليس محله هنا، وسأذكره في مذكراتي إن شاء الله تعالى للحق والتاريخ".
اضاف "لقد كان المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله تعالى عالما وفقيها، ورمزا وطنيا لبنانيا للعيش الوطني المشترك بين المسلمين والمسيحيين في لبنان وفي بلاد العرب والمسلمين، وكان شهيد الإسلام في خدمته للإسلام والمسلمين في لبنان والعالم العربي والإسلامي والعالم وفي سعيه لبناء المساجد في دول تعاني فيها الأقليات الإسلامية من الضغوط واشتهر بخدمتهم ودفاعه عنهم، رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجعله في رفقة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة".