إذا كانت كل المؤشرات الأميركيّة توحي بعدم وجود نيّة لهجوم عسكري أميركي على إيران، لإعتبارات عدة، أساسها: لا فعالية للحروب التقليدية في هذا الزمن، بدليل ما يجري في اليمن. فما هي الخيارات الأميركيّة المطروحة؟.
حرّكت الولايات المتحدة أساطيل بحريّة، وزادت من ضغوطاتها على طهران، حتى ذهب المتابعون الى القول إنّ التحشيد العسكري والسياسي هو حرب نفسيّة تسبق التفاوض الذي ترعاه سويسرا علناً، وتعمل له كل من سلطنة عُمان وقطر سرّاً، بينما روّج آخرون لسيناريو الضربة العسكرية المباشرة التي تعدّ لها واشنطن، كما كان حصل مع العراق أيام نظام رئيسه السابق صدّام حسين.
كل الأفرقاء إستعدّوا لمختلف الإحتمالات، وخصوصاً الجمهورية الإسلامية التي تستطيع ان تحرّك جبهات عدة بذات الوقت. وهذا الأمر كان موضع قلق إسرائيلي كبير بعد الحديث عن جهوزيّة مجموعات موالية لإيران، لضرب تل أبيب بصواريخ ثقيلة وخطيرة، تنطلق من غرب العراق تحديداً. وهو أمر ركّز عليه وزير الخارجية الأميركية مارك بومبيو خلال زيارته الأخيرة الى بغداد، بدعوة الدولة العراقيّة الى التحذير من نصب "الحشد الشعبي" منظومة صواريخ تطال كل إسرائيل.
لكن ذاك الإحتمال العسكري، لا يجد بيئة مؤاتية لترجمته على أرض الواقع، لأن الإدارة الأميركيّة التي لم تحصل على تفويض رسمي للحرب، تؤمن بالمواجهات غير العسكرية، عدا عن إهتمامها بفنزويلا فعلياً اكثر من اهتمامها بإيران. وكأنّ قرع الطبول يجري حول طهران، والعرس في كاراكاس.
فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتقد أن حصار الجمهورية الإسلامية والعقوبات المالية والإقتصادية بحق الإيرانيين تحقّق اهدافها بصورة أكبر وافعل مما ستحقّقه المواجهات العسكرية، لأن أولوية ترامب إقتصادية، ودوافعه مالية، وعقله مبرمج على أسس تجارية، لا عسكرية، بدليل المواجهة التي يقوم بها ضد الصين، لمنع مواصلة بكّين الصعود نحو مشاركة بلاده في الريادة الدولية. فهو يريد إجهاض المشروع الصيني الذي يبتلع السوق العالمي وبالتالي يسيطر تدريجياً على القوة الشرائيّة الأكبر في العالم، ولذلك يسعى للسيطرة على النفط الفنزويلي عبر إيصال رئيس حليف لواشنطن، لا الرئيس الحالي نيكولاس مادورو-الشيوعي الحليف الطبيعي للصين والإتحاد الروسي. بينما يحاول "تغيير سلوك إيران" لإمساك النفوذ في مساحات واسعة في الشرق الأوسط، والحؤول دون تقدم الصينيين بتحالفات مع الإيرانيين والأتراك، بعدما نجح في الحدّ من الإندفاعة الخليجيّة العربيّة نحو بكّين، والأهم إشعال أسعار النفط العالمي بشكل يؤثّر فيه على القدرات الصينية.
هل يعني ذلك أن الأميركيين يريدون إستسلام طهران من خلال المفاوضات؟ مرشد الثورة في إيران السيد علي خامنئي رفض ذاك الإستسلام برفعه السقف السياسي الى أعلى مستواه. فلن تقبل إيران بأي شروط إنهزامية، وهي التي تستبعد الحرب العسكرية، فقد كشفت أن خطة الأميركيين تقوم على شل القدرات الإيرانية من خلال هجمات سيبيرية. لذلك عمدت طهران الى تمتين دفاعاتها، وأجرت إختباراً ناجحاً لجدار الحماية لمنع إختراق المنشآت الصناعية ضد الهجوم الإلكتروني المُحتمل، وأشار وزير الإتصالات الإيراني إلى أن حكومته "تستعد لهجوم إلكتروني أميركي سيُحبط".
تلك الحروب يفضّلها ترامب، لأنها لا تحتاج الى موافقة الكونغرس، وتؤدي أغراضها الإقتصادية وفق رؤية الرئيس الأميركي الذي يخرج من التقليد العسكري والإعلامي والسياسي الى العالم الجديد، مستخدماً السلاح السيبيري الفعّال.