بعيداً عن الإحصاءات الرسمية التي سجّلت ٩٩٧،٩٠٦ نازحا سوريًا في لبنان اعتبارا من كانون الأول ١٩٩٧، فإنّ الواقع الديمغرافي يشير الى ان العدد الفعلي هو حوالي مليوني نازح سوري على الأراضي اللبنانية.
بدأت الأزمة بطابع إنساني لتأخذ بعدها البعد السياسي المحلي والدولي.
تداعيات النزوح السوري على الوضع الاقتصادي والمعيشي اللبناني تتكاثف خطورتها، ابرزها ظاهرة ما نسميه: النزوح المقنّع.
في لبنان مزارعون وعمّال ونواطير وأصحاب محلات تجاريّة وغيرها من الأعمال موجودون في لبنان تحت غطاء وبعنوان النزوح.
نتوقف عند الآتي :
-عمد بعض مالكي ومستثمري الأراضي الزراعية في مناطق لبنانية زراعية كالشمال والبقاع والجنوب على السماح لنسبة من الفلاحين السوريين النازحين بنصب الخيم في بقعة من الأرض والسكن فيها، شرط قيامهم بأعمال الفلاحة والزراعة مجانا او مقابل بدل يومي لم يتعدّ عند البعض سبعة آلاف ليرة عن كل يوم عملظن اضافة الى حيازتهم على بطاقات من الأمم المتحدة "كلاجئين" تخوّلهم الاستفادة من تقديمات ماليّة وغذائيّة وطبيّة.
في جولة على بعض تلك الخيم، تبيّن لنا ان نسبة كبيرة من قاطنيها ينحدرون من مناطق سوريّة تم دحر الإرهابيين منها وباتت آمنة عسكريا، لكنّ فرص العمل فيها معدومة وذلك بحسب تصريح من قابلناهم .
-من جهة أخرى، عمدت الوزارات المعنية اللبنانية كالداخلية والعمل على تحديد الأعمال التي يمكن للنازح السوري القيام بها.
التزاما بالقرارات الرسمية أقفلت بعض البلديات محلات التجارة او الحرف التي فتحها سوريون.
ولكن، يكثر الكلام عن محلات تجارية ومؤسسات تفتح باسم لبنانيين مقابل مبالغ زهيدة بينما أصحابها الفعليين هم سوريون.
لا شكّ انّ الأزمة المعيشيّة اللبنانيّة دفعت بعض مالكي العقارات للقبول بتلك الحلول المقنعة مقابل استحصالهم على بدلات ايجار.
-تكثر في المطاعم والأماكن العامة السياحيّة العمالة السورية بشكل لافت بحيث ان اليد العاملة منهم تخطّت بعددها في تلك المرافق اليد اللبنانيّة.
بالسؤال عن تلك الظاهرة، لفتنا ان نسبة كبيرة من اصحاب المطاعم "يتعاقدون" بشكل يومي، اَي يدفعون يوميا الى شباب سوريين للعمل في صالاتهم، لا سيما أيام العطل والأعياد. معظم هؤلاء الشباب يذهبون ويأتون من والى سوريا أسبوعيًّا ربما عبر معابر شرعيّة او غير شرعيّة.
صحيح ان لبنان يعاني من أزمة الأخوة النازحين السوريين، ولكنه يعاني اكثر من أزمة ادارة في كيفية التعامل مع هذه الأزمة سواء على المستوى الرسمي او الشعبي.
فيما اذا وجدت الحلول اللوجستيّة والسياسيّة والماديّة لعودة النازحين الى بعض المناطق الآمنة في سوريا، فهذا لن يكون حلا أمام الأزمة اللبنانية التي يسببها النزوح المقنّع .
ترك لبنان بالسابق حدوده أمام النازحين السوريين لأسباب عدة. ولكن الأسواق المشرّعة في الداخل هي بيد القطاع، الخاص الذي لا يعرف او لا يريد كيفيّة وضع الضوابط ورسم الحدود في العمل لما له من مصلحة ماديّة.
الجميع مسؤولون عما وصل اليه الوضع في لبنان نتيجة النزوح السوري من سياسيين ومواطنين. أما رمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي فقط فهو هروب من المسؤوليّة .
ليبدأ لبنان بسنّ قوانين وإصدار قرارات حازمة لشؤون النازحين والعمال والمزارعين السوريين وتفعيل اجهزة الرقابة لضبط النزوح المقنع، فنرسو عندها ما نسميه بـ"العودة القانونية" التي لا شك ان لبنان له الحق دوليا بتطبيقها. التعاون مع الدولة السوريّة ضروري في هذه الحالة، إذ يبقى لها ان تعلن عن المناطق السوريّة التي تضمن فيها الحياة الآمنة. علماً ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب كان سابقا قد احتفل عبر "تويتر" معلنا القضاء على الإرهاب في معظم المناطق من سوريا، فيما اذا كان هنالك من لا يصدق الرئيس السوري بشار الأسد.
في مشهد آخر، أزمة سوريّة من نوع اخر تلوح في الأفق وستترك تداعيات خطيرة على لبنان، هي العدد الكبير من السوريين المولودين حديثا الذين لا قيود احوال شخصية رسمية لهم وعددهم بمئات الآلاف.
هل من يتدارك هذه المعضلة الإنسانية الاجتماعية القانونية؟! وكيف؟! طبعا لا يكفي توقيف مختار من هنا او هناك يقوم بتوزيع شهادات ولادة. وللحديث تتمة يوما ما ...