يكتسب الحَرَمان الشريفان لدى المسلمين حُرمةً لا تعلوها قداسة غير حُرمة دم المسلم، وهما يضمنان تحقيق الوحدة والتضامن والتسامح والإجماع والتلاقي بين جميع الفِرَق الإسلامية، كما أنّها يساهمان في تعزيز الحوار والتفاهم والتقبّل والتعاون مع المعتقدات والأديان الأخرى، وهما رمز لوجود أمّة الإسلام وحريّتها وعزّتها وكرامتها، وكذلك يتضمّنان أهم تجلّيات الإيمان والعبادة والخير والسلام، ويختزنان تراث المسلمين وعقيدتهم بل وتاريخ الأديان الإبراهيمية جمعاء. من هنا يصبح دور خادم الحرمين الشريفين العمل على تحقيق كل هذه القِيَم، والتي تستوجب في المقام الأول الحفاظ على أمن الحرمين، إذا كان حقًّا هدفه خدمتهما. وبتحقيق هذا الدور الكبير فإنّ مفهوم خادم الحرمين يكرّس مكانة عظيمة لدى العرب والمسلمين وأمام العالم أجمع، وتصبح صورته مرآة لاقتدار وأصالة الأمة ورمزاً مقدّسًا ومنزّهًا لشعوبها.
لكنّ قراءة الأحداث الإقليمية والدولية اليوم تُثبت أنّ هذه الصفات لا تنطبق على العاهل السعودي ولا نظامه الملكي، الذي يستبيح دماء المسلمين في "اليمن" رغم علوّ حرمتها على حرمة "الكعبة المشرّفة". كما ساهم في خراب "سوريا" وتدمير "العراق" ودعم الإرهاب التكفيري الذي أزهق أرواح المسلمين والمسيحيين والأيزيديين، وكذلك زرع الشقاق والتناحر مع دول الجوار كإيران وتركيا وقطر. وهو يتآمر على شعوب المنطقة وحركات المقاومة، إضافةً إلى مشاركته في تصفيّة القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن. وقد باتت سياسات هذا النظام تهدّد أمن الحرمين الشريفين فعليًا بسبب معاداته للدول والشعوب العربية والإسلامية، فضلاً عن تسليم مقدرات وطاقات بلاد "نجدٍ" و"الحجاز" بل وثروات "شبه الجزيرة العربية" للولايات المتحدة الأميركية، حتى أصبحت هذه الأخيرة تتحكّم بأمن الخليج بما فيه أمن الحرمين الشريفين، وتقوم باستغلال "السعودية" وابتزازها بشكلٍ سافر ومهين. هنا تبرز طريقة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في تحقير رمزية مفهوم خادم الحرمين الشريفين، وبالتالي تشويه صورة هذا المقام بأسلوب ساخر إلى درجة أنّ مجرّد ذكر عبارة "الملك السعودي" على لسان "ترامب" باتت مثيرة لضحك الجمهور الأميركي، مما يستتبع تشويه وتوهين هالة الحرمين الشريفين وفق تقنية تهشيم المدلول عبر الدال عليه، بمعنى أنّ الهدف الأميركي من ازدراء وتسخيف الشخصية المعنوية لدور خادم الحرمين هو تدنيس وتحقير الحرمين الشريفين بذاتهما ونزع صفة القداسة عنهما. ورغم ذلك لم نرَ أي اعتراض سعودي على هذا السلوك الأميركي الاستعلائي والاستهزائي، علمًا أنّ السكوت عنه هو تواطئ ضمني بالضرورة على صورة وأمن الحرمين، وإن كان غير مقصود وناجم عن عجز وجبن.
إذًا الرهان السعودي على الأميركي في حفظ أمن المملكة والحرمين لم يعد صائباً، خاصة أنّ الولايات المتحدة الأميركية تنتهج نهجًا تهديديًا للسعودية كلما خاطبتها بأنّها ستسقط سريعًا من دون الحماية الأميركية لها. لذلك نرى أنّ أميركا الضامنة لأمن الحرمين ظاهرًا هي نفسها التي تهدّد أمنهما وتشكلّ خطرًا داهمًا على مكانتهما ووجودهما وبقائهما، خصوصًا عندما ندرك أنّ الجيوبوليتك الإسرائيلي المدعوم أميركيًا يستغرق "مكة والمدينة". فالكيان الإسرائيلي يبني تنظيراته الجيوبوليتيكية على عقيدة "إسرائيل الكبرى" التي تمتدّ حدودها بين "النيل والفرات"، وبالتالي "إسرائيل العظمى" التي تسعى إلى السيطرة على كامل أراضي "شبه الجزيرة العربية" وبالتحديد "المدينة المنوّرة"، بادعاء حق تاريخي لليهود في ملكيّتها. فالجيوبوليتيك الإسرائيلي مبنيّ على الإيديولوجيا اليهودية، وهذا ما يفسّر تركيز الكيان الإسرائيلي على جغرافيات "الفرات" في "سوريا" و"العراق" ليفرض سيطرته ونفوذه عليها، وفيما بعد يقوم بحيازتها وامتلاكها، أضف إلى ذلك سيطرة الكيان على منابع نهر "النيل" وإخضاع الدول الإفريقية التي يمرّ فيها. هذه الرؤيا الجيوسياسية نجح الإسرائيليون في تحقيق جزء كبير منها. وتدخل أراضي "شبه الجزيرة العربية" ضمن حسابات التنظير الجيوبوليتيكي الإسرائيلي، لاسيما "المدينة المنوّرة" التي يعتبرها اليهود مدينة "يثرب"، إضافة إلى "تيماء" و"خَيبر" و"دوس" و"اليمامة" و"دومة الجندل" و"نجران" و"فدك" و"وادي القرى"، وكذلك "اليمن" و"البحرين".
عندما شنّ الإسرائيلي حرب "تموز" على لبنان لتصفية المقاومة والقضاء على "حزب الله"، كان يهدف إلى تحقيق الخطوة الأساسية في مشروعه الجيوبوليتيكي العقائدي، لأنّ هذا الحزب شكّل حاجزًا صلبًا يعيق مجرى الرؤيا الإسرائيلية، ولا بدّ تدميره وإزالته. كما أنّ الغاية الكبرى للكيان الإسرائيلي من الحرب السورية هي أيضًا محاولة لتحقيق مشروعة التوسّعي إلى ضفاف "الفرات"، ومن بعدها إلى مدن "نجدٍ والحجاز". هنا تبرز الإشكالية الخطرة: لو انتصر التنظير الجيوبوليتيكي الإسرائيلي أين موقع الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل ستبقى ضامنة لحماية أمن الحرمين الشريفين؟ بالتأكيد لا. فالولايات المتحدة الأميركية تبني كل استراتيجياتها في "الشرق الأوسط" وفق الرغبة الإسرائيلية، وهدفها الرئيسي حفظ أمن "الكيان الإسرائيلي"، لما يؤمّن لهما ذلك من مصلحة تبادلية اعتمادية. فالإدارة الأميركية التي اعتبرت "الجولان" المحتلّ حقًّا إسرائيليًا وأعلنت "القدس" عاصمةً للدولة اليهودية الهجينة، لن يكون لديها أي مانع عن تقسيم "السعودية" ومنح مدن "الحجاز" للكيان الإسرائيلي. لذلك فإنّ "الولايات المتحدة الأميركية" التي تدّعي حماية أمن الخليج وضمنه "الحرمين الشريفين" هي المهدِّد الأول لأمنهما وأمن المنطقة، فلو انتصر فيها المشروع الصهيوني عبر تغيير الأنساق الجيوسياسية في "سوريا" و"لبنان" و"العراق" و"اليمن" ستنحاز "أميركا" مباشرةً من موقع الضامن لأمن الحرمين إلى موقع الضامن للجيوبوليتيك الإسرائيلي، لأنّه متمّم فعلي للرؤيا الأميركية.
إنّ انتصار "حزب الله" في حرب "تموز 2006" أوقف هذا المشروع الخطير، الذي حاول الأميركي والإسرائيلي إعادة تفعيله عبر تدمير "سوريا"، وهذا ما دفع الأمين العام لحزب الله إلى المشاركة في مواجهة محور الاعتداء على الجغرافيا السورية، فكانت انتصارات "حزب الله" على الإسرائيليين ووكالائهم التكفيريين العامل الأساسي في حماية المنطقة وبالتالي "شبه الجزيرة العربية" ومقدّسات المنطقة. وهكذا يكون "السيد حسن نصر الله" هو الضامن الحقيقي لأمن الحرمين الشريفين والمدافع عنهما، حيث حقّق الحفاظ عليهما من خطر الجيوبوليتيك الإسرائيلي والرؤيا الاستراتيجية الأميركية. ونراه دائمًا يحرص على الوحدة والحوار والتلاقي والتضامن بين الشعوب الإسلامية، ويسعى إلى التعاون والمشاركة بينها في مواجهة الأعداء، ويدعو إلى حقن دماء المسلمين. وبإنجاز هذه الأهداف وتحقيق هذا الدور وتلك المكانة، يصبح "السيد حسن نصر الله" حقًّا وفعلاً "خادم الحرمين الشريفين".