ليست المرة الأولى التي يقف فيها حزب الله مضطرا على الحياد ومحرجا في ظل احتدام الكباش بين حليفيه "التيار الوطني الحر" ممثلا برئيسه وزير الخارجية جبران باسيل وحركة "أمل" ممثلة بوزير المال علي حسن خليل، حول موضوع الموازنة. فلا هو قادر على اتخاذ موقف واضح يؤيد فيه سعي باسيل لاقران الموازنة برؤية اقتصاديّة شاملة يعتقد الحزب انه من الافضل ان تُبحث بعد إحالة المشروع الى مجلس النواب، ولا هو بصدد ان يؤيّد علنا اصرار وزير المال على التمسّك بالمشروع الذي تقدّمت به وزارته لاقتناعه بأن هناك امكانية لخفض العجز أكثر من 7.6%.
ويسعى الحزب كما دائما لرأب الصدع بين "حليفيه اللدودين" بعيدا عن الأضواء كي لا يعطي نقاطا اضافيّة لأحدهما بوجه الآخر، وتنفي مصادر مطّلعة على أجوائه بأن يكون منحازا الى باسيل في المعركة الحاليّة أو أن يكون متبنّيًا بالكامل ما تضمنته ورقة "التيار الوطني الحر"، لافتة الى ان جزءا من طروحات وزير الخارجية يؤيّدها حزب الله لكنه يعارض طروحات أخرى وعدم ورود بعض البنود التي كان يتطلع اليها في الورقة "الباسيليّة".
وتشير المصادر الى ان الحزب يعتبر ان باسيل قارب ملفي الأملاك البحرية والمصارف مقاربة خجولة، علما ان حزب الله يرى في هذين الملفين بابين رئيسيين لخفض العجز وزيادة المداخيل، بعدما شكّلا طوال السنوات الماضية مصدرين أساسيين للهدر، كما لا يؤيد الحزب بعض ما ورد في ورقة باسيل بخصوص الاجراءات الجديدة المرتبطة بالعسكريين واؤلئك المتقاعدين، لكنه بالمقابل يدعم تماما توجهات التيّار بملف الجمعيات الوهميّة.
ولا يبدو الحزب متحمسا لفرض ضريبة 2% على المواد المستوردة، وهو يتعاطى مع الموضوع وكأنّه محاولة التفافيّة لفرض ضرائب تطال كل اللبنانيين تحت عنوان حماية الانتاج الوطني، علمًا ان ما كان يتوق اليه هو حصر اي ضرائب جديدة قد يتم فرضها على الأغنياء. وتضيف المصادر: "من أول الطريق أبلغ حزب الله المعنيين بأنه لن يقبل بفرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة أو بتخفيض الرواتب والأجور وبخاصة المتدنيّة منها، كما بأنه سيتصدّى لأيّ اقتراح برفع اضافي للضريبة على القيمة المضافة أو برفع سعر صفيحة البنزين".
ويرى الحزب أن "المماطلة الحاصلة بموضوع الموازنة تطرح أكثر من علامة استفهام حول اهدافها الخفيّة، كذلك عمليّة ضخّ معلومات كاذبة مع انطلاق البحث وبالتحديد تلك المرتبطة بتخفيض الرواتب 15% وغيرها من الأخبار، التي ثبت أن هناك من يسعى الى تعميمها لغايات معيّنة، فكانت اشبه بحرب نفسيّة تخاض بوجه اللبنانيين، على الارجح خلفياتها مرتبطة بـ"سياسة النكايات الناشطة داخل الحكومة".
وتضيف المصادر، "بالمحصلة، يعتبر الحزب ان الوقت آن لاحالة مشروع الموازنة الى المجلس النيابي، بعدما اصبحت المهل أكثر من داهمة، ما يستوجب تمديد الصرف على أساس القاعدة الاثني عشريّة لشهر او شهرين، ما يعني الصرف لنصف عام بغياب موازنة، وهذا امر كانت القوى السياسيّة اتفقت في العامين الماضيين على وجوب عدم حصوله".
وبانتظار ان تثمر المساعي التي يبذلها الحزب وغيره لتقريب وجهات النظر بين باسيل وخليل للافراج قريبا عن الموازنة، لا يتردّد حزب الله بالاعراب عن ارتياحه لمجمل المشروع الذي يعتبر انه ابعد عن كاهل الطبقة الفقيرة والمتوسطة شبح الضرائب الاضافية وكابوس الرواتب المخفّضة.