فتحت نتائج إنتخابات البرلمان الأوروبّي الباب أمام موجة واسعة من التساؤلات حول مستقبل الإتحاد، لا سيّما مع تنامي قوة أحزاب اليمين المتطرف أو القوميين في كل من فرنسا، بزعامة مارين لوبان، وإيطاليا، بزعامة ماتيو سالفيني، وفي بريطانيا، بزعامة نايجل فاراج، في حين لا يمكن التغاضي في المقابل عن النتائج التاريخيّة التي حققها دعاة حماية البيئة.
في هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى أن الأحزاب المدافعة عن الوحدة الأوروبية لا تزال تحتفظ بالكتلتين الأكبر، حيث حافظ الحزب الشعبي الأوروبي (يمين مؤيد لأوروبا) على المركز الأول، بينما حافظ الاشتراكيّون الديمقراطيّون على المرتبة الثانية في البرلمان، لكنها فقدت القدرة على تشكيل أغلبيّة بمفردها. وهذا الواقع دفع إلى فتح معركة رئاسة المفوضيّة الأوروبيّة، بين الكتلة الأولى التي تطالب بأن تكون لزعيمهم مانفريد فيبر، والثانية التي ترفض ذلك.
والبرلمان الأوروبي، هو أحد أهم المؤسسات السبعة المكوّنة للإتحاد، وهو يتألّف من 751 مقعداً، موزعين بين الدول الأوروبيّة وفقاً للتعداد السكّاني لكل منها، وهو يملك صلاحيّة التصديق على القوانين، التي تملك المفوضيّة الأوروبيّة صلاحيّة تشريعها، كما يقرّ ميزانيّة الاتحاد والاتفاقيّات التجاريّة.
وفي حين بات من الواضح، بحسب المتابعين، أنه تم إحتواء النتائج التي نجحت أحزاب اليمين المتطرّف في تحقيقها في هذه الإنتخابات، من المتوقّع أن تساهم هذه النتائج في مسار عملية صنع واتخاذ القرار داخل البرلمان بشكل نسبي، مقابل تنامي تأثيرها على المستوى الداخلي بشكل كبير، خصوصاً أن هذه الأحزاب، حتى ولو نجحت في تجاوز خلافاتها، ستبقى بعيدة عن الأغلبيّة المحددة بـ376 مقعداً.
إنطلاقاً من ذلك، بات على الكتلتين الأولى والثانية الإنطلاق نحو مشاورات مع دعاة حماية الحريّة، الذين ارتفع عدد مقاعدهم من 52 إلى سبعين، والليبراليين، بمن فيهم حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذين حصلوا على 107 مقاعد مقابل 69 في البرلمان السابق، في حين يعقد رؤساء دول وحكومات الاتّحاد الأوروبي، الثلاثاء، قمّة للبحث في التعيينات المقبلة، فما هي أبرز تداعيات هذه الإنتخابات على المستقبل الأوروبي؟.
من حيث المبدأ، التأثير الأساسي لنمو اليمين المتطرف سيكون على المستوى الوطني داخل كل دولة على حدى، لا سيّما فرنسا وإيطاليا نظراً إلى أن المعركة في بريطانيا كانت على خيار الخروج من الإتحاد، في حين أنّ هذا النمو غير كاف للتأثير على المعادلة الأوروبيّة برمّتها، ما يرجّح إستمرار اليمين المتطرف في خطابه الحالي، بشأن الهجرة والإسلاموفوبيا والعلمانيّة.
في هذا السياق، يشير الخبير في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن نتائج هذه الإنتخابات تظهر أن الأوروبيين يريدون الإهتمام بأمرين أساسيين: قضايا البيئة والتوجهات القوميّة، نافياً أن يكون لنمو حركات اليمين المتطرف تداعيات على الأمن والإستقرار في القارة العجوز، حيث يؤكّد أن معسكرات النازيّة والحرب بين الأوروبيين لن تعود من جديد، لا بل يذهب إلى أن تقدمها قد يكون أفضل بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أن مواقفها من الحركات المتطرفة واضحة.
من وجهة نظر نور الدين، هذه الأحزاب ستكون مؤثّرة إذا نجحت في التوحّد في ما بينها داخل البرلمان الأوروبي، لكنه يشدّد على أنّ هذا لا يعني أنّ وجه القارة سوف يتغيّر، بل تكون أقرب إلى الأمم المتّحدة أكثر مما هي إتحاد فيدرالي، ويشدد على أن تأثيرها قد يكون أكبر على المستوى الأوروبي، نظراً إلى دور البرلمان هو على مستوى التشريعات.
في المحصّلة، تفتح نتائج هذه الإنتخابات الباب أمام السؤال عن مستقبل بعض الدول الأوروبيّة، لا سيما فرنسا وإيطاليا، حيث يذهب البعض للقول أن التأثير الأكبر قد يكون على الإنتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة المقبلة في العام 2022، خصوصاً إذا ما نجح حزب لوبان في تحقيق المزيد من التقدم.