يفتح التصعيد القائم في ريف حماه الشمالي الباب أمام موجة من التساؤلات، حول مستقبل الشمال السوري برمّته، في ظل التداخل بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في هذه الرقعة الجغرافية، من الولايات المتحدة إلى روسيا وتركيا وإيران بشكل أساسي، نظراً إلى الترابط بين مصير إدلب وشرق الفرات، الذي بات واضحاً لا يقبل الشك.
في هذا السياق، يبرز السباق بين مسارين: الأول روسي-تركي والثاني أميركي-تركي، حيث تسعى كل من واشنطن وموسكو إلى جرّ أنقرة إلى التفاهم، في حين لا تبدو الأخيرة مستعجلة على حسم أوراقها، نظراً إلى أنها تسعى الإمساك بالعصا من المنتصف.
وتشير مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الجانب التركي لا يزال يملك الكثير من أوراق القوّة الميدانيّة، نظراً إلى قدرته على تحريك أكثر من جبهة عسكرية من خلال فصائل "الجيش السوري الحر"، وهو يسعى إلى إبرام تفاهمين منفصلين: الأول مع الولايات المتحدة يتعلق بمناطق شرق الفرات، بينما الثاني مع روسيا يتعلق بإدلب، التي لا تزال خاضعة لإتفاق خفض التصعيد بموجب مسار آستانة، بالرغم من إشتعال المعارك، في الأيام الماضية، على هذه الجبهة.
من وجهة نظر هذه المصادر، تدرك كل من واشنطن وموسكو أهمية التفاهم مع أنقرة، لتفادي الدخول في معارك جديدة لا يريدها الجانبان، سواء في شرق الفرات أو في إدلب، نظراً إلى أن التداعيات ستكون كبيرة جداً، بينما تدرك أنقرة أهميتها بالنسبة إليهما، الأمر الذي يدفعها إلى الحفاظ على قنوات الإتصال معهما.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن تركيا كانت، في الفترة الماضية، أقرب إلى الجانب الروسي منه للجانب الأميركي، خصوصاً أن واشنطن لا تزال تُصر على الإستمرار في دعم "قوات سوريا الديمقراطية"، لكنها في المقابل لم تعمد إلى تنفيذ ما تعهدت به، بموجب إتفاق سوتشي، الأمر الذي كان يدفع موسكو للتذكير به بشكل شبه دائم.
بالنسبة إلى المصادر المطّلعة، أنقرة اليوم لا تزال تفضل بقاء الوضع على ما هو عليه على جبهة إدلب، خصوصاً أن مصير مناطق شرق الفرات لم يحسم بعد، وبالتالي هي غير مستعجلة على تقديم فاتورة للجانب الروسي، الذي يسعى للتفاهم مع "قوات سوريا الديمقراطية" عبر بوابة دمشق حول شرق الفرات، طالما أن باب التفاوض مع واشنطن لم يقفل بعد، لا بل المعلومات تتحدث عن تقدم على هذا المحور.
في المقابل، الجانب الأميركي لا يريد أن يخسر الورقة التركية، بالرغم من أنه طوال السنوات الماضية لم يعمد إلى الحسم في الصراع بين حليفيه، "قوات سوريا الديمقراطية" وأنقرة، بل سعى دائماً إلى إحتواء الخلافات بأكبر قدر ممكن، وهو اليوم يقود مفاوضات لمعالجة مسألة شرق الفرات، بما يؤمن مصالح الجانبين معاً، بينما الجانب الروسي يعتبر أن من الضروري في مكان حسم مسألة إدلب، نظراً إلى أن أي إتفاق أميركي-تركي جديد سوف يقود المساعي التي يقوم بها على هذا الصعيد، وبالتالي ترى أن التصعيد العسكري يأتي من هذه البوابة.
إنطلاقاً من ذلك، ترسم المصادر نفسها عدة سيناريوهات حول مستقبل الأوضاع العسكرية على هذه الجبهات، تنطلق بشكل أساسي من معادلة وجود خلافات تركية-روسية، نظراً إلى أن موسكو تدعم الحملة التي يقوم بها الجيش السوري في ريف حماه الشمالي، بينما تدعم أنقرة فصائل المعارضة، الأمر الذي دفع الجانب الروسي إلى تعزيز حضوره في منطقة تل رفعت، حيث يسعى الجانب التركي إلى السيطرة عليها.
في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أن مجمل هذه السيناريوهات تقف عند معادلة ثابتة، سعي تركي-أميركي، ولو كان دون تنسيق مباشر، إلى الحفاظ على الأوضاع القائمة كما هي دون أيّ تعديل، مقابل السعي الروسي للضغط على أنقرة لحسم خياراتها، لكن المحسوم هو الترابط بين إدلب وشرق الفرات، الأمر الذي يفتح الباب أمام السؤال عما إذا كانت الجبهات على موعد مع تسخين غير مسبوق أو تسويات من العيار الثقيل، تعيد رسم المشهدين العسكري والسياسي، مع العلم أنّ موسكو لا تفضل الخيار الأول، الذي قد يؤدّي إلى تدهور علاقاتها مع أنقرة.