ثقافة " الفرنجي برنجي" ما زالت سائدة في مجتمعنا. يحدث أمرٌ ما، يجري تداوله وإطلاق الحكم عليه، لا يؤخَذ بهذا الحكم إلا إذا جاء من جهة اجنبية وكأنها هي المرجع الموثوق الصادق الذي لا تحتمل استنتاجاته أية نقاشات.
الأمثلة على ذلك كثيرة ووفيرة، قديمًا وحديثًا، وأحدثها الموازنة العامة للعام 2019 في لبنان. كم سال من الحبر في تقييم هذه الموازنة؟ وفي هذه الصفحة بالذات كم كتبنا عن الوعود البراقة فيها وعن الإنفاق المحقق والإيرادات المفترضة؟ كان الكلام يذهب في وادٍ، وكانت التعليقات تتراوح بين القول ان هناك مبالغة في ما نكتب أو أن هناك غاية من وراء ما نكتب.
كان جوابنا دائمًا: إقرأوا السطور لا بين السطور... إلى أن جاءت "سطورٌ" من الخارج، وليست أي سطور بل من واحدة من أهم ثلاث وكالات عالمية.
***
وكالة ستاندرد آند بورز (STANDARD&POORS) وهى شركة خدمات مالية ومقرها الولايات المتحدة الاميركية، عدد الموظفين لديها حوالي عشرة آلاف موظف تعمل في مجال التصنيف الائتماني وتصدر تصنيفها لقياس قدرة الحكومات أو الشركات المقترضة على الوفاء بالتزاماتها المالية لدى الجهة المقرضة، بمعنى انها تصدر تقاريرها بشأن الوضع المالي للجهة المعنية، ويتم الاعتماد على تصنيفها لقياس الجدارة الائتمانية للدول مما ينعكس على مناخ الاستثمار بها حيث تعطى وفق مؤشراتها درجات ائتمانية. وهي مع وكالة فيتش ووكالة موديز، تعتمد عليها الدول في تصنيفاتها.
***
وكالة "ستاندارد اند بورز" راقبت على مدى شهر مسار مناقشة الموازنة في لبنان للعام 2019، وما إنْ حطت الموازنة أوزارها وصدرت في مشروع قانون قبل ان تتحول إلى قانون، حتى ادلت بدلوها في الموضوع، فأوجزت في تقريرها وفي تقييمها "إن خطة موازنة لبنان لخفض عجزه المالي إلى 7.6% هذا العام، قد لا تكون كافية لاستعادة الثقة التي تضررت في البلد المثقل بالديون".
وتتابع الوكالة ان "الإعلان عن خفض العجز إلى 7.6% من أكثر من 11% قد لا يكون كافيا في حد ذاته لتحسين ثقة المودعين والمستثمرين غير المقيمين، والتي تراجعت في الأشهر الأخيرة". وأن عدم تحقيق الهدف الجديد أمر وارد، لا سيما أن أي إجراءات لخفض التكاليف ستطبق فقط في النصف الثاني من العام. أما الصدمة في تقرير الوكالة، فحين يقول: "تشير تقديراتنا إلى عجز مالي في 2019 عند حوالي 10%... في غياب تعزيز جوهري للإيرادات وإجراءات خفض النفقات، نتوقع أن تواصل نسبة الدين العام للبنان الارتفاع لتتجاوز 160% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2022 من 143% في 2018".
***
ماذا تريدون أكثر؟ ها هي أكبر وكالة تصنيف عالمية تعطي رأيها في الموازنة؟ فإلى متى سيستمر التلطي وراء الأوهام ووراء الأرقام النظرية؟
"ستاندارد أند بورز" ليست فصيلًا لبنانيًا في الموالاة أو المعارضة، وهي لا تقدِّم تقاريرها غب الطلب، والدول المتقدِّمة حين تريد تقييمًا لبلد ما تعتمد على وكالة مثلها وليس على "وكيلٍ سياسي" في هذا البلد أو ذاك.
هي قالت كلمتها، فما هو ردكم يا حضرات المسؤولين الكرام.
اما ردنا نحن شعب لبنان.. فالجواب جريء وبسيط وصريح: القانون موجود. من أين لكم هذا بمعنى الاثراء غير المشروع.
فقط طبقوا القانون؟