«واهم كل من يعتقد أن في إمكانه النيل من قوى الأمن الداخلي، فمؤسسات الدولة ليست مكسر عصا لكل من هبّ ودبّ في السياسية والإعلام، ولا لأي جهة تعتقد أن الظرف السياسي يعطيها حقوقاً بنفش ريشها وعرض عضلاتها».
هذا اقتباس مجتزأ من تصريح أدلى به الأمين العام لتيار «المستقبل» أول من أمس. ويدلّ هذا الكلام على حرص على مؤسسات الدولة الجامعة والمؤلفة من ضباط وموظفين وعناصر، ولاؤهم الوحيد للجمهورية اللبنانية من دون أي اعتبارات فئوية، طائفية كانت أو سياسية. ويدل أيضاً على اعتراض حادّ على تدخل البعض للتجني على مؤسسات الدولة.
لكن مع الأسف، يختلف معنى الاقتباس غير المجتزأ لما ورد على لسان الأمين العام لتيار المستقبل عن هذا المعنى، حيث إنه لا يتناول المؤسسة، بل شخص مديرها، فيما بدا دفاعاً عن رجل كان قد عُين في منصب مخصص لطائفة ومذهب في سياق المحاصصة بين القوى الفئوية الحاكمة. فاللواء عماد عثمان، كما غيره من المديرين العامين في الدولة، لا يكون في منصبه الحالي لولا ولاؤه لزعيم المذهب الذي ينتمي إليه. ولا بد أن يهبّ الحرصاء على حصص المذهب، والاستماتة في الدفاع عنه، خصوصاً إذا تعرض له أو لأدائه شخص ينتمي إلى طائفة أو مذهب آخر.
الأمين العام لتيار المستقبل قال أول من أمس: «واهم كل من يعتقد أن في إمكانه النيل من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ووضع ملفه على الطاولة، فمؤسسات الدولة ورموزها ليسوا مكسر عصا لكل من هبّ ودبّ في السياسة والإعلام، ولا لأي جهة تعتقد أن الظرف السياسي يعطيها حقوقاً بنفش ريشها وعرض عضلاتها». وتابع حاسماً أن «الشيء الوحيد الذي سيوضع على الطاولة هي أعمال وإنجازات وتضحيات اللواء عماد عثمان وقيادة قوى الأمن الداخلي»، وكأنه يتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء، أو كأن للأمين العام لتيار سياسي الحق في تحديد ما يندرج في جدول أعمال أرفع سلطة في الدولة اللبنانية وما لا يندرج فيه.
يُرجح أن هذا الكلام العالي النبرة جاء ردّاً على ما نقل على لسان رئيس التيار الوطني الحر من وضع «ملف عثمان قريباً على الطاولة» (وكأن وزير الخارجية هو من يحدد جدول أعمال مجلس الوزراء) وتعليقاً على ما تتناقله بعض الأوساط عن إقالة عثمان مقابل إقالة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (وهو منصب مخصص لطائفة أخرى)، وذلك بعد جولات من الاحتكاك بينهما خلال الأسابيع الفائتة.
الأمين العام لتيار المستقبل، ورئيس التيار الوطني الحر، لم يتناولا المحاصصة الطائفية والمذهبية للمناصب الأساسية في مؤسسات الدولة في تصريحاتهما الأخيرة. غير أن هذا الموضوع يشكل ــ كما يبدو ــ أساس المشكلة القائمة. وقد يعتقد البعض أن توازن الحصص بين الطوائف والمذاهب يحفظ مؤسسات الدولة، وأنْ ليس من حق أي مسؤول في الدولة أو أي صحافي أو أي مواطن أن يبدي ملاحظات بشأن أداء المدير العام وتصرفاته، لأن ذلك يُعَدّ مسّاً بطائفة ومذهب محدَّدين. ولا ينحصر الأمر بتيار المستقبل الذي ربما يعدّ عثمان كما عدّ (الرئيس السابق لمجلس الوزراء فؤاد) السنيورة «خطاً أحمر»، بل يشمل كذلك التيار الوطني الحر وحركة أمل وغيرها من القوى الحاكمة التي تعدّ حصصها كذلك خطاً أحمر ممنوعاً المسّ به أو تغييره أو حتى انتقاده.
إن التعرض لشخص المدير العام لمؤسسة قوى الأمن الداخلي من قبل وزراء ينتمون إلى فئة محددة يضعفه في قلب المؤسسة ويقوّيه في البيئة الفئوية التي ينتمي إليها (كما حصل مع المدير العام السابق لقوى الأمن أشرف ريفي). ففي المؤسسة الأمنية الأكبر في لبنان وحدات يترأسها ضباط من مختلف الطوائف والمذاهب، ولكل منهم مرجعيته الفئوية. لا سلطة للمدير العام، ولا للضباط على المؤسسة بشكل كامل، بل لكل منهم بعض الصلاحيات التي يمكنهم استخدامها لتعطيل العمل وإضعاف الخدمة التي يفترض أن ينعم بها المواطنون والمواطنات، وذلك بسبب التناحر السياسي الطائفي بينهم.
ما تحتاج إليه مؤسسة قوى الأمن الداخلي، هو إبعاد جميع ضباطها ورتبائها وعناصرها عن الفئوية والانقسام والتشرذم، بدءاً بمجلس القيادة ورئيسه، إلى شرطي السير وحارس الوزارة. ما تحتاجه المؤسسة، هو تحديث عاجل وشامل ومسؤول للقانون 17 والمراسيم ذات الصلة التي تحدد مهماتها وصلاحياتها وهيكليتها وعديدها ومسار عملها. ما تحتاجه هو مزيد من التطوير والتقدم والتجهيز لكل الوحدات، لا لفرع أو شعبة محددة دون غيرها... لكن كل ذلك كررناه في عشرات المقالات والتقارير، فما الجديد؟ قد يكون الجديد فكرة استحداث مجلس شيوخ للمحاصصة الطائفية في المؤسسة ليعمل بموازاة مجلس قيادة المؤسسة، ويكون مؤلفاً من ضباط بحسب كفاءتهم لا بحسب ولائهم لزعماء الطوائف والمذاهب.