ركّز قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، خلال زيارته متحف رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب- جونية، تلبية لدعوة الرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم، على أنّ "في حضرة هذا المكان العابق بتاريخ لبنان الجميل، الشاهد على ذكريات رجل أرسى برؤية استراتيجية، مفهوم الدولة من خلال بناء المؤسّسات، تقف الكلمات عاجزة عن إيفائه حقّه. هو القائد والرئيس الّذي جمع بشخصه صفات القيادة والمسؤولية كما التواضع والإنسانية".
ولفت إلى أنّ "شهاب هو القائل بأنّ الاستقلال يُبنى. لا يؤخذ ولا يُعطى. هو القائل بأنّ الجيش هو مدرسة الوحدة الوطنية بالتفكير والممارسة"، مبينًّا أنّها "كلمات لا يزال صداها يتردّد حتّى يومنا هذا، وبخاصّة في الاستحقاقات المفصليّة والمصيريّة الّتي أحوج ما تكون إلى استعادة هذه المواقف واستخلاص العبر منها".
وذكر العماد عون أن "شهاب نجح في جعل المؤسسة العسكرية نموذجًا وطنيًّا في الشرف والتضحية والوفاء، مؤسّسة عابرة للطوائف والمناطق. حمل معه مناقبيّته العسكريّة وفكره المؤسّساتي إلى بناء الدولة"، منوّهًا إلى أنّ "ما أشبه الأمس باليوم، في ظلّ قيادة رئيس الجمهورية ميشال عون، الّذي سار على نهج شهاب في بناء قدرات الجيش وتحديث مؤسّسات الدولة".
وأعلن أنّه "يؤسفنا ويؤلمنا، ونحن في حضرة مؤسّس الجيش وباني عقيدته، أن نشهد اليوم، ما يتعرّض له جيشنا من حملات تستهدف بنيته ومعنويّات عسكريّيه"، مشدّدًا على "أنّنا لا نكشف سرّا، ولا نقول جديدًا، بأنّ الجيش هو العمود الفقري للبنان، ولا نغالي إذا قلنا إنّه ضمانة أمنه واستقراره، وانّ مهمّته لا تُختصر بزمن الحروب والصراعات فقط، لأنّ تحصين الاستقرار والسلام يتطلّب جهودًا تفوق أحيانا متطلّبات الحروب".
وأشار إلى أنّه "ربّما غاب عن بال البعض بغير قصد أو بقصد، أنّ رغم الاستقرار الأمني الّذي ننعم به حاليًّا، فالتحدّيات لا تزال كبيرة سواء عند حدودنا الشرقية والجنوبية والبحرية، أم في الداخل، وبالتالي فإنّ الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي لا يزال بحاجة إلى جهوزيّة كاملة وإلّا فمن يتحمّل مسؤولية كشف أمن الوطن؟"، مستذكرًا "ما قاله شهاب عام 1961 للضباط: "إنّ مهمّتكم النبيلة لا تنحصر في حماية الحدود وصدّ كل معتد غاشم فحسب، بل تتعداها الى الداخل حيث تعملون شعبا وجيشا متآزرين متكاتفين على صون وحدتنا".
وأكّد العماد عون أنّ "لا شكّ في أنّ المؤسسة العسكرية، وهي جزء من البنية الاقتصادية اللبنانية، ليست بمنأى عن أيّ تقشّف قد يتطلّبه الوضع الاقتصادي، وقد كنّا السبّاقين إليه منذ فترة، اقتناعا منّا بأنّ المال العام هو أمانة، وعلينا المحافظة عليه"، موضحًا "أنّنا اعتمدنا منذ نحو عامين سياسة ماليّة مدروسة تحدّد النفقات وفقًا للحاجات الضروريّة فقط، رغم المتطلّبات الكثيرة نتيجة التحدّيات الداخلية والإقليمية، الّتي تفرض جهوزيّة عسكريّة قُصوى، وما يرتبط بها من أمور لوجستية وإدارية وطبّية. وأعدنا العام الماضي جزءًا من موازنة الجيش إلى خزينة الدولة".
كما أفاد بـ"أنّنا لن نتوقّف عند تقييم النوايا أو محاسبتها، ولكن، ومنذ انطلاق مناقشة الموازنة الّتي بدت مجحفة بحقّ مؤسسةٍ أقسم عسكريّوها على الولاء للوطن والوفاء لقسمهم بالذود عنه، تكشّفت نوايا استهداف طالت من هم في الخدمة الفعليّة ومن تقاعدوا بعد أن قدّموا حياتهم خدمة لبزّة الشرف والتضحية والوفاء".
وركّز على أنّه "لم يُترك للجيش خيار تحديد نفقاته، وباتت أرقام موازنته مباحة ومستباحة من قبل القاصي والداني، وعرضة للتحليلات والنقاشات، وكأنّ المقصود إقناع الرأي العام بأنّ الجيش يتحمّل سبب المديونيّة العامة"، منوّهًا إلى أنّ "حتّى أنّ توزيع مهام الجيش وتحديد الأفضليّة في التدابير العسكرية أصبح مادّة جدليّة تتمّ مناقشتها على المنابر وفي الصالونات، علمًا أنّ قيادة الجيش هي وحدها من تقرّر ذلك، لا بل أكثر، فكلّ وحدات الجيش سواسية بالنسبة لها، لأنّ القتال يحتاج إلى خدمة القتال؛ فجندي الحدود لا يمكنه تنفيذ مهمّته بنجاح دون زميله في الطبابة واللوجستية والإدارة".
إلى ذلك، شدّد عون على أنّ "ما أنجزته المؤسسة العسكرية مؤخّرًا في محاربة الفساد والرشاوى والتدّخلات في شؤونها الداخلية، وذلك برضى تام وتشجيع من قبل كلّ الجهات السياسيّة، يجب تحصينه وحمايته واستثماره في خدمة لبنان ومستقبله. ولكن ما أفرزته الموازنة حتّى الآن من منع التطويع بصفة جنود أو تلامذة ضباط ومنع التسريح، ينذر بانعكاسات سلبيّة على المؤسسة العسكرية بدءًا من ضرب هيكليتها وهرميتها، مرورا بالخلل في توزانات الترقيات وهو أمر مخالف لقانون الدفاع".
وبيّن أنّ "ما ذُكر يؤسّس لسلوك متعمّد لتطويق المؤسّسة العسكرية بهدف إضعافها وضرب معنويات ضباطها وجنودها ومنعهم من الحصول على أبسط حقوقهم. حقوق العسكريين ليست منّة من أحد، واستهداف معنوياتهم هو جريمة ليس فقط بحقّهم إنما بحق الوطن".
وجزم عون أنّ "معنويات هؤلاء الأبطال، العاملين بصمت، أهمّ من أيّ راتب أو رتبة، وخدمة وطنهم هو شرف. لن تنال من عزيمتهم أيّ مواقف مسيئة ولن تثنيهم عن خدمة وطنهم أيّ حملات تحريضيّة"، معلنًا أنّ "عهدًا ووعدًا منّا: لن نستكين. لن نرضى المس بحقوق ضباطنا وجنودنا، ولا بكرامتهم. كونوا على ثقة بأنّه لن تثنينا محاولات إضعاف المؤسّسة، من الضغط باتّجاه استمرار المطالبة بحقوقنا".