خصّصت اللجنة الاعلاميّة في بلدة بقاعكفرا قرية القدّيس شربل يوما للاعلاميين في زيارة حجّ سنوية للأماكن المقدّسة في القرية، فزاروا الأماكن الّتي ترعرع وعاش فيها القدّيس شربل أيام طفولته وقبل دخوله الى الدير، بدءًا من دير مار حوشب حيث قضى طفولته التعليميّة فيه متعلّما الأسس والثوابت المسيحيّة اليوميّة، مرورًا بمنزله العائلي الّذي تحوّل ديرًا تهتمّ فيه الرهبانيّة اللبنانيّة المارونية وصولا الى المغارة الّذي كان يقضي غالبيّة أوقات النهار كراعٍ لماشية عائلته المنزليّة قربها ويصلّي في داخلها.
الرحلة الى "الأرض الطيّبة أو الأرض الخصبة" حسب معناها باللغة العربيّة المشتقّ من السريّانية، لم تتوقّف بزيارة الحجّ، انّما شملت تنظيم رياضة المشي للاعلاميين في جرد بقاعكفرا بين سواقي المياه، صعودًا باتّجاه البحيرة الصناعيّة في منطقة الجوّانيّة سيرًا على الأقدام بين أشجار الكرز على ارتفاع يقارب 1650 مترا حيث لا تزال الثلوج تغطي بعضًا من قمم المنطقة.
رافق رحلة حجّ الاعلاميين الخوري ميلاد مخلوف والأب هاني طوق خلالها، فشرحا واستفاضا بالحديث عن أعلى قرية مأهولة في منطقة الشرق الأوسط، وكيف عاش يوسف مخلوف بين كنائسها مصليًّا، وكيف تعامل مع ترابها كراعٍ ومزارعٍ، في ظل الحكم العثماني المستبدّ الّذي حكم المنطقة بالظلم والاستعباد والجور، ولكنّه لم يثنِ الناس وقتذاك عن الصلاة الّتي كانت ترافقهم خلال مسيرتهم اليوميّة منذ الصباح الباكر في منازلهم وانطلاقهم الى أعمالهم في الحقول وحتّى العودة الى البيت والنوم مساء.
يوسف مخلوف الّذي غيّر اسمه بعد دخوله الى الرهبانيّة اللبنانية المارونيّة ليصبح شربل على اسم قدّيس ارثوذكسي قبله بمئات السنوات، لم يكن ليعلم أن والدته حاكت له ثوب القداسة بروحانيتها وتقاوتها وصلابتها كصلابة صخور المنطقة ونقاوتها كنقاوة الثلوج الناصعة البياض الّتي تتحوّل الى ينابيع وسواقي متدفّقة في الربيع. وقد حافظ على هذا الثوب الثمين بعناده الأمين لخطّ خالقه وتشبّثه بمن قال يومًا "أنا هو الطريق والحقّ والحياة"، ولم تعنِ الحياة له شيئًا الاّ من خلال يسوع، وبدونه لم يَكُن لِيفتح باب السماء بثباته على ايمانه وصلاته الّتي لم يملّ يومًا من ممارستهما بحرارة لا مثيل لها، فكافأه المسيح بتاج القداس.
وكما كان في حياته الانسان الحنون والراهب المتواضع المليء بالمحبّة، هكذا عبر من خلال نور السراج الصغير العجائبي المُضاء بالماء في قلاّيته (الغرفة الّتي يعيش فيها الراهب) في دير مار مارون عنّايا الى محبسة القدّيسين بطرس وبولس، مكمّلاً مشواره نحو الملكوت ليلة عيد ميلاد نور الأنوار، ليصبح رسول كل ملتجئ الى شفاعته، فهو الّذي لم يكن ليهدأ في حياته قبل الدير لم يكن الاّ كذلك بعد دخوله الى الرهبانيّة، ممارسًا التقشّفات الّتي ساعدته مع صلواته وقداديسه ليكون الحارس الأمين بعد ولادته في السماء حيث لا هدوء أبدًا، وهو الناظر الى آلام الناس الروحيّة والجسديّة، وكيف لا يكون كذلك وهو المُختَبر الام الناس الّذين عاشوا ظلم الحكم، واختبر الام فقدان والده بسبب اجبار العثمانيين له على العمل من دون أجر يساعد به عائلته، وقد توفّي بعيدا عنها، لتكرّ سبحة الالام العائليّة ويعاني منها بصبر كبير قلّ نظيره، لأنّ مفهوم الموت لديه هو العبور الى حياة سماوية حيث لا أوجاع ولا آلام اطلاقا لمن كان يعيش وفق تعاليم الربّ الاله.
يوم الاعلاميين الّذين رافقهم عدد من الآباء من بينهم الأبوين المخلصيّين شارل ديب نائب رئيس دير المخلّص في جعيتا ومعلّم الأخوة الدارسين بالدير، ونداء ابراهيم رئيس المحترف المخلّصي للايقونة في جعيتا. كان بدأ منذ الساعة السابعة والنصف صباحًا بالانطلاق الى قرية القدّيس الّذي جمع أهل الصحافة من مختلف مشاربهم ومناطقهم وطوائفهم، وحفل بعدّة نشاطات اختتمت بغداء أعدّته لجنة الاعلام في القرية الّتي كانت لولب حركتها الاعلاميّة ماغي مخلوف مع الأبوين مخلوف وطوق قرب البركة الاصطناعيّة في منطقة "الجوّانيّة-جرود بقاكفرا، واختتم بقدّاس عند الخامسة عصرًا في كنيسة سيّدة الانتقال-بقاعكفرا.