"صيدا مدينة رمضانية" شعار ارتبط بـ"عاصمة الجنوب"، التي استحقته عن جدارة لهذا العام، لتكون المدينة الأولى ليس في لبنان فحسب، بل على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.
مُبادرة أطلقتها رئيسة "كتلة المستقبل النيابية" النائب بهية الحريري، لتُضاف إلى مُبادراتها المُتعدّدة نوعاً وتنوّعاً.
وإنْ كان إطلاق المُبادرة تلازماً مع شهر رمضان المبارك، لكن دلالاتها ونتائجها تتجاوز أيام الشهر الفضيل إلى ما هو أبعد من ذلك، بما يُؤكد أنّ صيدا تمتلك مقوّمات الحياة، ما يجعلها جديرةً بأنْ تبقى مدينة حيّة، وهذا يقترن بإرادة وتصميم على البقاء داخل الزمن وليس خارجه، ومُواجهة التحديات الآنية والمستقبلية، وعلى المستويات كافة، الاقتصادية والاجتماعية.
مُبادرة استطاعت النائب الحريري أنْ تُؤمن لها كل مقوّمات النجاح، منطلقةً من فكرة الشراكة وليس الاستخدام، بين أبناء المدينة والمقيمين فيها والروّاد الضيوف.
التواصل وذكريات الحنين الأولى
الانطلاق من داخل البلدة القديمة له مدلولاته، وهي التي شكّلت اللبنات الأولى لمدينة صيدا، قبل أنْ ينتقل غالبية أهلها إلى السكن والعمل في توسّع المدينة، ومن ثم الانتشار إلى البلدات المحيطة بها، وتأكيداً على استمرار التواصل بين ذكريات الحنين الأولى والمحطات الأخرى، وأيضاً تجاه أبناء المدينة والمُقيمين بداخلها، احتضاناً وتنميةً، توازياً مع الورشة المستمرة منذ سنوات عدّة لنقش غبار وتراكمات السنوات عن أحجارها، لتكشف عن تراث كنزها، المُستمد من تاريخ وعراقة المدينة التي كان لها دور مميّز على شاطئ المتوسّط منذ عصور من الزمن.
هذا التفاعل أدّى إلى تحريك عجلة الحياة داخل المدينة القديمة، لتتوسع بشمولها الأسواق التجارية وامتداداتها، التي فتحت أبوابها ليلاً، وهذا التجانس الذي فعّل الحركة الاقتصادية، يُؤكد مكانة المدينة التجارية والاقتصادية في ظل ظروف حياتية ومعيشية صعبة.
حرصت النائب الحريري على إشراك كافة الأطراف في المدينة، رسميةً وبلديةً وقضائيةً وأمنية وعسكرية واقتصادية ومؤسّساتية، من خلال الزيارة التي قامت بها إلى أمين عام "التنظيم الشعبي الناصري" النائب الدكتور أسامة سعد، والتي تعتبر الأولى منذ الانتخابات النيابية (6 أيار 2018)، بحيث كسرت الجليد، وإنْ بقي الاختلاف في التوجّهات السياسية، لكنه نظّم التباين في القضايا الداخلية وأهمية تفعيل الحركة في المدينة، بما يُساهم في نهضتها وتفعيل الحياة فيها، ومحافظ الجنوب
منصور ضو، رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي، النائب النائب العام الإستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان، ورئيس "جمعية تجار صيدا وضواحيها"، فضلاً عن الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، و"تجمّع المؤسّسات الأهلية" في المدينة.
إعجاب الزائرين
وما أعطى دفعاً، هو استضافة شخصيات ووفود زارت المدينة تلبية لدعوة النائب الحريري، تنوّعت بين وزارية ونيابية ورسمية ودبلوماسية عربية وأجنبية، ورجال دين مسلمين ومسيحيين، وقضاة وقادة أمنيين وعسكريين، ووجوه فنية وثقافية واجتماعية وإعلامية، خرجوا جميعهم معربين عن إعجابهم بما شاهدوه من كنز هام، فتكوّنت لديهم صورة لا شك في أنّه سيجري تعميمها، بما ينتظر أنْ تكون له نتائج إيجابية في النظرة إلى المرحلة المُقبلة، بما يُرسّخ مكانة المدينة في إطلالتها على لبنان، وأخذ طريقها إلى العالمية، واستخدام العولمة، التي لا يُمكن رفضها، ووضع المدينة على خارطة العالم بدلاً من أن تستخدم العولمة المدينة، ويكون دورها هامشياً.
الجولات التي شملت المعالم الأثرية والتاريخية الهامة في البلدة القديمة، التي خبرت "أم نادر" أدق تفاصيلها، تُساهم بالاستنهاض الداخلي لجميع القطاعات في صيدا، بما يُشكّل ردّاً حضارياً على كل الحملات السلبية التي تعرّضت لها المدينة، ويُعيد إليها اللُحمة بعدما أثّرت عليها سلباً بعض الظواهر الغريبة عن المدينة وأهلها، التي زادت شرخاً مع
اعتصام إمام "مسجد بلال بن رباح" الشيخ أحمد الأسير الحسيني (قبل توقيفه)، بمسيراته يوم الجمعة وغزوات قطع الطرقات يوم الأحد، قبل الاعتصام المفتوح في شهر رمضان (حزيران 2012)، الذي دفعت بنتيجته المدينة، ضريبة غالية، بداخلها ومع الجوار والجنوب، من اعتمادها كمركز رئيسي لتجارتهم، فأصبح البحث هناك عن بديل محلي، جرى تطويره بشكل لافت.
"صيدا مدينة دائمة للحياة"
هنا تعود بنا الذاكرة إلى قبل 20 عاماً، وتحديداً بعد انتخاب قائد الجيش العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، وخروج الرئيس رفيق الحريري من الحُكم، وما تعرّضت له صيدا من عقاب، فكان أنْ أطلقت النائب الحريري سلسلة نشاطات من "خان الإفرنج" تحت شعار "صيدا مدينة للحياة".
يوماً بعد آخر يتأكد أنّ رفع شعار "صيدا مدينة رمضانية"، يثبت توق أبناء المدينة للحياة، وأهمية وحجم المناسبة، غير العادية، التي لا يُمكن أنْ تنتهي مع انتهاء الفترة الزمنية الرمضانية، بل ستستمر للمرحلة المقبلة، لتتلاقى مع شقيقاتها من المُبادرات والمناسبات المُتعددة، ومنذ الآن تحضيراً للعام المقبل لتصبح صيدا "مدينة دائمة للحياة".
انطلاق الوفود من المحطة الرئيسية من "خان الإفرنج" عند مدخل المدينة البحري، له مدلولاته، وهو الذي كان محطة التقاء التجار، والنافذة على البحر الأبيض المتوسط، وجرى إنقاذه من آثار الغزو الإسرائيلي في
مثل هذه الأيام من حزيران 1982، يوم دمّرت أجزاء منه، وحرقت أخرى، فأعيد ترميمه من قِبل "مؤسّسة الحريري" لتثبت صيدا أنّها ليست ممرّاً للجنوب مع الوطن، بل هي عاصمة الجنوب والمقاومة والتحرير والاحتضان، وأيضاً عاصمة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
إنجاز جديد يُسجّل للنائب الحريري بالسير على خطى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالعمل إعماراً ونقشاً للحجر، وقبله من أجل حياة أفضل في سبيل الإنسان، لأنّ كل نشاط عامل مُساعد للمدينة بإطلالتها على لبنان والعالم، وبما يُعزّز صيدا كمدينة نموذجية مُنفتحة على العالم، بما لديها من مخزون حضاري وثقافي واجتماعي، وتجسيد تعايش طبيعي بتجاور المساجد والكنائس في صورة أحوج ما نكون إليها في ظل مؤامرات الفتن والظروف القاسية، التي تدفع العالم باتجاه التطرّف الديني، وتغذية الغرائز الطائفية والمذهبية نحو التناحر ومحاولات تعزيز ظاهرة ما يُسمى بـ"الإسلاموفوبيا" أو "الكريستيانوفوبيا"، وكلاهما تشويه للإسلام والمسيحية.
"نريد أنْ تروا صيدا بعيوننا"
لقد حرصت النائب الحريري على أنْ يكون اختتام فعاليات "صيدا مدينة رمضانية" بتنظيم جولة لإعلاميين من المدينة ووفد من الإعلاميين المُهتمين بمجال الفن والثقافة من العاصمة بيروت.
ورحّبت النائب الحريري بالإعلاميين الزائرين، مُستعرضة الهدف من إطلاق "صيدا مدينة رمضانية"، وهو تقديمها بكل معالمها ومرافقها
كمدينة تاريخية تضج بالحياة، ومُنفتحة على كل المناطق، قائلة: "نريد أن تروا صيدا بعيوننا".
ونوّهت بـ"دور ومواكبة الإعلام المقروء والمرئي والمسموع والإلكتروني لكافة الفعاليات والأنشطة، طيلة ليالي شهر رمضان المبارك"، شاكرة "كل من ساهم من الإعلاميين من صيدا وخارجها بالكلمة والصورة والصوت، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي في إبراز هذه الصورة المُميزة والرائعة للمدينة الرمضانية، فهم شركاء حقيقيون في نجاحها".
وأعلنت النائب الحريري عن أنّ "ما شهدته صيدا من حركة في شهر رمضان سيكمل بعده وعلى مدار السنة، من خلال العديد من المُبادرات والحيويات والأنشطة تحت مظلة بلدية المدينة وبالشراكة مع كافة مؤسسات مجتمعها المدني والأهلي".
وتخلّل الجولة استعراض لجانب من المسيرة الاحتفالية التي نظمتها "الشبكة الكشفية لصيدا والجوار" لمناسبة ليلة القدر، وتزامنت مع الحركة الناشطة التي تشهدها أسواق المدينة عشية عيد الفطر المبارك. واختتمت الجولة بسحور في "قهوة الإزاز".