فلسطين ليست عبارة عن وطن أو أرض وأنهر وخيرات وأشجار ليمون وزيتون وأماكن مقدسة مسلوبة ومحتلة من الصهاينة.
فلسطين عبارة عن قضية تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل في ترجمة فعلية لقصة تواطؤ أنظمة عربية أوجدها المستعمر البريطاني بالسيف والدم.
تلك الأنظمة التي أنشئت بشروط معينة سُخرت لتكون بخدمة المستعمر البريطاني ومخططاته وهو المستعمر نفسه الذي أوجد الكيان الصهيوني وأسكنه على أشلاء فلسطين العربية عن سابق تصور وتصميم وذلك بعد ضمان التزام تلك الأنظمة العربية المتواطئة بتنفيذ الشرط الأساس وهو الحفاظ على هذا الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين ومقدساتها ومنع تهديده عسكرياً تحت أي ظرف من الظروف.
هذا الشرط البريطاني لم يزل قائماً ومعمولاً به ويطبق بشكل صارم من الأنظمة المتواطئة حتى يومنا هذا، كما أن الشرط الاستعماري أضحى سيفاً مسلطاً فوق رؤوس مشايخ وأمراء وملوك وسلاطين ورؤساء الأنظمة المصنوعة بريطانياً كشرط أساسي لتنصيبهم على عروشهم والحفاظ على حكمهم.
ومع استمرار مفاعيل الشرط البريطاني الاستعماري يستمر معه تواطؤ الأنظمة المصنوعة بريطانياً لكن ومع مرور أكثر من سبعة عقود متتالية من التواطؤ والخيانة بحق فلسطين وشعبها تحل علينا نكبة العصر في أبشع صورها الظالمة التي أنتجت تشريد شعب بأكمله وتهجيره عن وطنه فلسطين.
انقسم الوطن العربي بين أنظمة رفضت احتلال فلسطين وقررت مقاومته لاسترداد أرض فلسطين التي منحها الاستعمار للعدو الإسرائيلي واستعادة الكرامة العربية وبين أنظمة عربية خانعة ومتواطئة أعلنت ولاءها المطلق للمستعمر واضعة كل إمكاناتها بخدمة مشروعه الصهيوني بإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية.
بيد أن التواطؤ العربي بات في حالة تطور سلبي عبر محاولات متكررة هادفة إلى كي الوعي العربي وتزوير التاريخ والوقائع بقلب الصورة التاريخية الحقيقية عبر إعلام عربي هدفه تسميم الفكر العربي تمهيدا للاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه.
أضحت وقاحة الإعلام العربي المسموم سمة من سمات الوفاء للمستعمر البريطاني واسترضاءً للسيد الأميركي، وفي هذا الصدد أوغلت بعض القنوات الفضائية الممولة من أنظمة الخليج النفطي المصنوعة من المستعمر في سرد وقائع مزيفة تتحدث عن مجازر ارتكبها فلسطينيون بحق اليهود عام 1945 ولم يكن ينقصها سوى إعلان أحقية المحتل الإسرائيلي بفلسطين العربية ووجوب تحريرها من الفلسطينيين أصحاب الأرض.
ليس هذا فحسب بل نستطيع القول إن تلك الأنظمة العربية المتواطئة أضحت في حالة سباق مستميت لتقديم أوراق اعتماد الإخلاص والوفاء للبريطاني والأميركي والصهيوني على حساب فلسطين وشعبها وعاصمتها القدس الشريف والسعي إلى تنفيذ ما سمي صفقة القرن المصنوعة في أروقة الغرف السوداء في بريطانيا وأميركا وإسرائيل التي تهدف إلى طمس القضية الفلسطينية والقضاء على حق الفلسطينيين.
إن ما تقدم عليه تلك الأنظمة العربية المتواطئة ليس بالشيء الجديد بل إن الأمر لا يعدو كونه القديم المتجدد وبأساليب متطورة، فبعد التآمر على فكر القومية العربية المناهضة للاستعمار القائمة على مبدأ ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة التي حمل شعارها وترجمها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، تحول التآمر نحو سورية حافظ الأسد، الذي حمل ورفع لواء فلسطين وحماه بين أضلع سورية العربية رافضاً كل الإغراءات والإملاءات والضغوط الأميركية والغربية.
حافظ الأسد الذي أدرك الفرق بين عروبة أنظمة مزيفة أنشئت بصناعة المستعمر على مساحة الخليج العربي وبين عروبة أصيلة قائمه على أسس القومية الحقيقية ملتزمة مناصرة القضية الفلسطينية التي تعتبر مركز وأساس قضايا الأمة العربية.
لا غلو في القول إن فكر الرئيس حافظ الأسد الإستراتيجي كان أكثر استشرافاً وسابقاً لعصره فقرر التحالف الإستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية في إيران وذلك فور إعلان إيران التزامها الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية ومناصرتها في كل المحافل.
مما لا شك فيه أن هذا الحلف الإستراتيجي بين سورية وإيران شكل عقدة كأداء بوجه مخططات عرب الاستعمار والمتآمرين على فلسطين لمصلحة العدو الإسرائيلي فكانت الحبكة الدولية في تفكيك وتفتيت الحلقة الأساس للأمة العربية المتمثلة بسورية قلب العروبة الحقيقي.
كان الرهان بأن الرئيس بشار الأسد لن يتمكن من حمل تركة حافظ الأسد القومية بيد أن بشار الأسد أثبت وأمام العالم أجمع أنه خالف ودحض كل التوقعات وأنه بجدارة الزعيم القائد بعناده وصموده التاريخي متفوقاً على براغماتية حافظ الأسد.
الرئيس بشار الأسد حافظ بأمانة على إستراتيجية حافظ الأسد كما حافظ على التحالف الإستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إيماناً بأن تلك الأنظمة المسماة عربية المتواطئة ذات الصناعة الاستعمارية لا يمكنها الخروج عن طوع وعباءة الأميركي والبريطاني واستطراداً الإسرائيلي.
انصبت كل الظلمات والافتراءات والمؤامرات الدولية على سورية حتى خيل إلينا أن الظلم خلق ضد سورية وحدها.
لكن سورية بشار الأسد تقترب من إعلان الانتصار على مؤامرات ساهمت في إذكائها وتمويلها تلك الأنظمة المصنوعة بريطانياً حتى إن البعض منها بدأ يخطب ود الجمهورية العربية السورية سراً وعلانية ليس حباً بها إنما خوفاً من سورية بشار الأسد الآخذة باستعادة وزنها الإقليمي والدولي بثبات وإصرار مقابل خوف وهلع ينتاب تلك الأنظمة التي شاركت بالتكافل والتضامن مع العدو الإسرائيلي بخراب واستنزاف سورية عن سابق تصور وتصميم.
إن انتصار سورية سيترك تداعياته القوية على تلك الأنظمة المتواطئة بشكل لا يمكن تجنبه خصوصاً أنه سيترجم إيجابياً على مجمل الساحات بدءا من سورية واليمن ولبنان والعراق والجزائر وليبيا وصولا إلى قصورهم وعروشهم.
إن ما يجري في مكة المكرمة بانعقاد قمم ثلاث ليس الهدف منها التكفير عن الذنوب بل إنها قمم الخوف من تداعيات انتصار سورية بشار الأسد ومن انتصار اليمن ونستطيع القول إن القمم الثلاث هي بمنزلة إعلان انتصار سورية العروبة الحق وللبحث عن سبل لإيجاد طوق النجاة لعروشهم من تداعيات انتصار سورية وانتصار الحلف السوري الإيراني الإستراتيجي وبالتالي انتصار محور المقاومة.
إن القمم الثلاث في مكة المكرمة عمّدت انتصار محور المقاومة والدليل أن مجرد تضرر أنبوب للنفط في السعودية استدعى قمماً ثلاثاً بينما احتلال فلسطين وتهويد القدس وذبح شعب اليمن وباقي الأوطان العربية لا تستأهل مجرد قمة أو موقف حازم لوقف المجازر الدامية نتيجة الوهن والذل والارتهان للموقف العربي الرسمي.
إن الهجوم غير المبرر على إيران هو هجوم الخائف والمرتعد من انتصار محور المقاومة الملتزم بتحرير فلسطين والقدس الشريف من براثن الاحتلال، وسبب خوف تلك الأنظمة المتواطئة الداعية للقمم الثلاث أن انتصار سورية زعيمة محور المقاومة سيؤدي حتماً إلى انتفاء وظيفة وجود تلك الأنظمة المتواطئة على فلسطين وعلى القومية العربية.
من أقوال الرئيس سليم الحص: «من أعز القدس ونصر فلسطين أعزه اللـه ونصره ومن تخلى عن القدس وعن فلسطين تخلى عنه اللـه وهزمه وألبسه ثوب المذلة».