هل قررت الجمهورية القبرصية تغيير موقفها من لبنان وأن تتحول من صديق إلى عدو؟ السؤال يفرض نفسه بعد ان وضعت الجزيرة أراضيها وأجواءها وقواتها المسلحة لمساعدة الجيش الإسرائيلي على الاستعداد والجاهزية لـ... الاعتداء على لبنان!
قبل يومين، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي انتهاء مناورة مشتركة بين وحدات نخبة برية من الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو، إلى جانب وحدات من الجيش القبرصي، حاكت سيناريوات ومواجهات حربية، ومن بينها تنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان. ولفت الناطق العسكري الإسرائيلي إلى أن المناورة تهدف إلى تطوير أداء الجيش الإسرائيلي وتعزيز مهارته الميدانية.
وبالفعل، هذه هي المناورة الرابعة من نوعها بين الجيشين خلال الأشهر الماضية، وواحدة من 12 تدريباً معلناً في الأعوام السابقة، وكلها تتعلق بتدريب قوات النخبة الإسرائيلية في مناطق جبلية ومرتفعات، إضافة إلى تعزيز قدرة خوض القتال في الأماكن السكنية داخل قرى قبرصية مهجورة، بما يشمل محاكاة مواجهة سلاح الأنفاق.
وبدأت الشراكة في التدريبات بين إسرائيل وقبرص تتنامى في العامين الماضيين إلى الحد الذي باتت فيه أكثر من اعتيادية، بل تكاد تتحول الأراضي القبرصية الى أراض إسرائيلية لجهة التدريبات والمناورات على اختلافها، وبالأخص ما يتعلق بمحاكاة عمليات خاصة في الداخل اللبناني، لوحدات نخبة إسرائيلية.
في ذلك، قال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى عن واحد من التدريبات المشتركة في قبرص، إن «عالم القتال الآن هو عالم قتال المدن والتخندقات تحت أرضية، وإذا أردنا أن نكون على استعداد لمقاتلة حزب الله أو حماس أو حتى داعش، فعلينا أن نقاتل بشكل مختلف وأن نكون مستعدين بشكل مناسب لمقاتلتهم». (جيروزاليم بوست 18/12/2018).
آخر التدريبات الإسرائيلية في قبرص انتهى قبل أيام، وتركز على تطوير قدرات وحدات النخبة لدى الجيش الإسرائيلي، ومن بينها وحدة «إيغوز» التي كانت في الأساس قد تشكلت لمواجهة حزب الله، إلى جانب سلاح الجو ووحدات الانقاذ. وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية شاركت في التدريبات (يديعوت أحرونوت 31/05/2019) إنها «تحاكي حرباً في المناطق الحضرية والجبلية التي تشبه تضاريس جنوب لبنان، معقل جماعة حزب الله في الساحة اللبنانية». الأمر نفسه شدّد عليه مراسل الشؤون العسكرية في القناة الـ13 العبرية، أور هيلر، في وقت سابق، إذ قال: «أكملت قوات الجيش الإسرائيلي مناورات استمرت أسبوعاً في قبرص، حيث مارست القوات الخاصة والجوية قتالاً جبلياً صعباً ومعقداً يحاكي الحرب في عمق لبنان».
تقارير عبرية تنقل العلاقة بما يرتبط بالتدريبات العسكرية والمصالح الاقتصادية إلى مستوى البعد الاستراتيجي المتعلق بالمحاور بين الدول، وتحديداً بين إسرائيل وقبرص واليونان، مقابل أعداء وخصوم إسرائيل في المنطقة، وهو ما كشفت عنه صحيفة «جيروزاليم بوست» قبل أشهر (18/12/2018) حين تحدّثت عن أن «الدول الثلاث («إسرائيل» وقبرص واليونان) تأمل أيضاً في منع المحور الروسي ـــ الشيعي من النمو والتوسع»!
عن تثمين دور قبرص ومساهمتها في تعزيز القدرة القتالية للجيش الإسرائيلي في الساحة اللبنانية، يكتب منسّق برنامج الشؤون العسكرية والاستراتيجية في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، غال بيرل فينكل، والعقيد غابي سيبوني، أحد أهم المخططين العسكريين السابقين في قيادة المنطقة الشمالية للجيش الاسرائيلي، يكتبان مقالة مشتركة عن الدور القبرصي وأهميته للجيش الإسرائيلي في تحسين وتعزيز القدرة العملياتية للوحدات على اختلافها، في الحرب المقبلة على الساحة اللبنانية. يشير الضابطان الى أن «تضاريس قبرص تشبه بوضوح تلك الموجودة في الجبال اللبنانية، وهو ما يعطي الوحدات العسكرية قدرة محاكاة وتدريب غير اعتيادية، خاصة عندما تشبه مناطق التدريب الواقعة خارج الحدود، المناطق حيث يقدر أن تقاتل القوات». ويشدد الضابطان على أن مناطق التدريب في فلسطين المحتلة «محدودة للغاية، وتجعل من الصعب جداً إنشاء بيئات تدريب تلبي احتياجات القتال البري للجيش الإسرائيلي ضد حزب الله في الشمال وحركة حماس ومنظمات الجهاد في الجنوب. و(الساحة القبرصية) مهمة للقادة وللقوات، وتمكّنهم من تطوير المعرفة التشغيلية والقدرات القتالية».
في بيان صدر عن وزارة الدفاع القبرصية، أكدت نيقوسيا أن هذه الأنواع من التدريبات هي «تتويج للتعاون الممتاز القائم بين قبرص وإسرائيل، في مجال المناورات العسكرية المشتركة» («فايننشال ميرور» القبرصية، 30/05/2019 ). إلا أن التعاون شيء والمساعدة في الاعتداء على لبنان، كما ورد على لسان الضباط الإسرائيليين، شيء آخر.
الواضح أن قبرص قررت أن تتموضع إلى جانب أعداء لبنان والمتربصين به، والى الحدّ الذي يدفعها إلى أن تسهم مساهمة حيوية في الإعداد للاعتداء عليه، بما تسميه إسرائيل حرب لبنان الثالثة، أو كما ورد على لسان الضابط الإسرائيلي الرفيع، تنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية خاصة في جنوب لبنان.
تمكين الجيش الإسرائيلي من الاستعداد والجاهزية للاعتداء على لبنان، من خلال وضع الإمكانات القبرصية الطبيعية والمادية كي تؤمن إسرائيل جاهزية أنجع لشن اعتداءاتها وحروبها على لبنان، هو جزء لا يتجزأ من الاعتداء نفسه.