راوحَت الأَوْصاف الَّتي أُطْلقَت على حَمْلة التَّراشُق بالاتِّهامات الأَخيرة، والَّتي تَناولَت في شكلٍ رئيسيٍّ رَئيس "التيَّار الوطنيّ الحرّ"، وزير الخارجيَّة والمُغْتربين جبران باسيل، بين نَعْتِها بـ"جَوقَة العَصْفوريَّة" من قبل باسيل نَفْسِه، كما ووُصِفت بالحَرْبَين: الاسْتِباقيَّة والافْتِراضيَّة. فما هُما هاتان الحَرْبان؟ وما علاقتُهما بالواقِع على السَّاحةِ اللُّبْنانيَّة؟.
الحَرْبُ الافْتِراضيَّة
يُعْتبر مُصْطلح "الحَرْب التَّخيُّليَّة" (virtual reality) أو "الحَرْب الافتراضيَّة" واحدًا من المُصْطلَحات المُتفرِّعة مِن مُصْطلح "الواقع التَّخيُّليّ" أو "الافْتِراضيّ"، تُقْصَد به البيئَةُ الاصطناعيَّةُ الَّتي تَنْشأ عبر "الكومبيوتر" و"أَجْهزة تِكْنولوجيا المَعْلومات" الأُخْرى وأَدواتِها. وتُمارَس في "الحرب الافتراضيَّة" الأَفْعال والسُّلوكيَّات والخُبرات، في شَكْلٍ أَقْرب ما تَكون إِلى ما يُجْرى على أَرْض الواقِع...
وإِذا كان جنودُ الحَرْب الافْتِراضيَّة خارج لبنان، يَعْملون مِن خِلال لَوْحاتِ المَفاتيح وأَزْرار "الكومْبيوتِر"، فإِنَّهم عندنا مِن أَهْل السِّياسةِ، المُسْتَعينين بأَشْخاصٍ مِن ذَوي المُخيِّلة الواسِعة، و"المُتَخصِّصين" في اخْتِلاق الأَخْبار لمَآرِبَ سِياسيَّةٍ، في وقتٍ قد لا يَعْلم البَعْضُ أَنَّ الهَيْكل إِذا ما سَقَط تَحْت نَخْر الفَسادِ لَه، فعَلى رأس كلِّ الطَّبَقة السِّياسيَّة الحاكِمة سيسقط!.
لذا يَبْدو للوَهْلة الأُوْلى أَنْ ثمَّة مَن يُؤدِّي داخل الحُكومَة دور "حِصان طروادة"... وثَمَّة مَن يُجاري "الحُروب الافْتِراضيَّة" إِمَّا لِعَدم تَمتُّعه بِبُعْد النَّظر، وإِمَّا على خلفيَّة التَّشفِّي السِّياسيِّ، أَو عن سابِق تَصوُّرٍ وتَصْميمٍ...
غَيْر أَنَّ الهَدف في كلِّ الأَحْوال تَوْجيهُ "طَلقاتٍ مُعدَّة في شَكْلٍ يُمْكِن أَنْ يُحْدِث تَدْميرًا جَوْهريًّا في بَعْض مَظاهر البنيَة الأَساسيَّة للعَدوِّ".
في الدُّوَل المُتقدِّمة، وعلى رُغم أَنَّ مُعْظم ميزانيَّات الإِنْفاق العسكريِّ بَدأت في التَّقلُّص، إِلاَّ أَنَّ الميزانيَّات الخاصَّة بتَطْوير تكنولوجيات الواقِع الافْتِراضيِّ ما زالت في تزايدٍ مُسْتمرٍّ، لأَنَّها أَصْبحت ذات استخدامٍ مُؤثِّرٍ وفعَّالٍ في مَجال التَّدْريب العَسْكريِّ، والسَّبب الرَّئيسيُّ في ذلك لَيْس فَقط إِمْكان التَّدْريب الواقعيِّ، ولكن أَيْضًا تَنْسيق التَّعاون بين الأَسْلحة المُخْتلِفة والمُشْترَكَة.
وفي لُبْنان أيضًا ميزانيَّات تَطْوير "الواقِع الافْتِراضيِّ" في تزايدٍ مُسْتمرٍّ، وآخرُ فُصولِها ما شَهده لبنان في نِهايةِ الأُسْبوع الماضي، وهي إِلى ذلك رياضَةٌ سياسيَّةٌ أَقْرب إِلى رياضة الصَّيْد الَّتي كان يُزاوِلها المُلوك في العُصور القَديمة، ولكنَّ الفَريسة عندنا صَيْتُ الوَطن ومُسْتَقبَلُه وأَعْصابُ مُواطِنيه!...
في الحَرْب الافْتِراضيَّة، احْتِمالاتٌ مُتعدِّدةٌ للمُواجَهات، لذا فعِنْدنا قد التَبَس عِندَنا شُعْبان برَمَضان... واستُهدِف المُصْلِح كما الفاسِد، وأَهْل الصَّبي استُهْدِفوا كما خالتُه الَّتي لا تهتمُّ إِلاَّ لمَصْلحتِها الشَّخْصيَّة!... ولكن عِنْدنا "بابًا ثالثًا" من الحَرْب الافْتِراضيَّة، أَيْن مِنْها بِدايات تلك الحربِ الَّتي بدأَتْ فكرتُها الأَوَّليَّة منذ أكثر من نصف قرنٍ!.
وفي "الحَرْب الافْتِراضيَّة" تَظْهر "القُوَّات الصَّديقة" كما "المُعادية"، وعِنْدنا أَيْضًا: أَكْثر مِن جهةٍ تَدْخل الحَرْبَ مع... أَو ضدّ... فيَغيبُ مَنْطق العَقل كما المَسْؤوليَّة الوطنيَّة، وتتلاشى التَّسْويات!. غَيْر أَنَّ في "الحَرْب الافْتِراضيّة" أهدافًا نَبيلةً، كالحَرْب على الإِرْهاب، أَيْن مِنْها الحَرْب الافْتِراضيَّة عندَنا؟
الحَرْب الاسْتِباقيَّة
وأمَّا "الحَرْب الاسْتِباقيَّة"، فقد استَنْبطَتْها الولايات المُتَّحدة حين وُلِدَت فِكْرة "الأَمْن الجَماعيّ" في القارَّة الأَميركيَّة، واسْتَخْدمت ذاك "الأَمن" ذريعةً للتَّدخُّل في شؤون أَيِّ دولةٍ تُظْهر حكومتُها توجُّهًا يساريًّا... وتَطوَّرت هذه الفِكْرة لاحِقًا، إِلى مفهوم "الحَرْب الاسْتِباقيَّة" بعد سنة أَلْفَيْن، والَّتي "مارسَها جورج بوش الابْن لمُهاجَمة أَفْغانستان والعراق بذريعةِ ضَرْب الإِرْهاب" (نَجْلاء سَعيد مكَّاوي، 447 صفحة، المَرْكز العَربيّ للأَبْحاث ودراسة السِّياسات).