لا يبدو المعنيون بالأمن في حالة من الصدمة أو الاستغراب جراء ما شهدته مدينة طرابلس مؤخّرًا. اذ أن التحذيرات المستمرة من وجوب عدم النوم على حرير وآخرها تحذير قائد الجيش العماد جوزيف عون من أن "الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي لا يزال بحاجة الى جهوزيّة كاملة"، كانت مبنيّة على معطيات حول امكانيّة تحرك الخلايا الارهابيّة النائمة عند أية فرصة، وهو ما حصل ليلة عيد الفطر ليحيي المخاوف من تجدد العمليات الارهابيّة بما يتخطى طرابلس ومنطقة الشمال اللبناني.
وبعكس التطمينات التي أشاعها بعض الأمنيين مباشرة بعد العملية بمسعى لإمتصاص حالة الرعب التي سيطرت على نفوس أهل طرابلس بشكل خاص، لجهة تأكيدهم أنّ الارهابي عبد الرحمن مبسوط نفّذ عمليته من دون التنسيق مع قيادة "داعش" ومن دون التواصل مع آخرين باطار مجموعة، الى حد ذهاب مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان للحديث عن حالة نفسيّة غير مستقرّة للارهابي دفعته لاقتراف جريمته، تشير مصادر سياسية في قوى 8 آذار الى ان "ما حصل كان متوقعا في هذا التوقيت وبالتحديد مع انقضاء شهر رمضان"، لافتة الى انه "كان واضحا انّ المنطقة ككل بعد الشهر الفضيل متّجهة الى نوع من التسخين، لن يكون لبنان بمنأى عنه، وهو ما أثبتته العمليّة الارهابيّة في طرابلس". وتعتبر المصادر انه "من السذاجة حصر العمليّة في مكانها وزمانها وبحالة نفسيّة معيّنة للارهابي"، معربة عن تخوفها من "تجدد المسلسل الارهابي بما يتخطى طرابلس ومنطقة الشمال خصوصًا وأن المعطيات الاقليمية والدولية لا تبشر بالخير". وتضيف المصادر: "هناك خسائر متتالية يتكبدها المحور المعادي لايران وسوريا، وبالتالي نحن نتوقع أن يحاول التنفيس عن غضبه واستيائه العارم في مكان ما، في ظل انعدام ايّة امكانية لتمرير صفقة القرن حتى ولو بالقوّة، ما سيجعلهم يلجأون الى أساليب شتّى لتعويض خسائرهم، وليست الضغوط المتواصلة على طهران الا جزءا من هذه السياسة".
ويبدو واضحا أنّ الاجهزة الامنية، وبالرغم مما أُعلن بهدف اشاعة بعض الطمأنينة في النفوس، لا تتعاطى مع ما حصل كحادثة فرديّة لن تتكرر. لذلك اتّخذت اجراءات وتدابير جديدة للتصدّي لأيّ احتمال لتجدد هذه العمليات سواء بالشكل الذي حصلت فيه في طرابلس أو بأشكال جديدة. وتركّز الخطط بشكل خاص، بحسب مصادر معنيّة، على المناطق التي يُعتبر الاستقرار فيها هشًّا والتي تأوي عائدين من القتال مع "داعش" والتنظيمات الارهابيّة الأخرى.
ووفق مصادر أمنيّة، فإنّ لجوء الارهابيين الى أسلوب "الذئاب المنفردة" انما يدل عن ضعفهم وعدم قدرتهم على التحرّك كمجموعات او العودة الى اسلوب السيارات المفخخة، لافتة الى ان المؤسسة العسكريّة كانت تحذّر منذ فترة من عودة العمليّات الارهابيّة مع عودة العناصر الذين كانوا يقاتلون في سوريا، من هنا كان قرار التشدد بمراقبة المنافذ الحدوديّة والتصدي لعمليات التهريب.
ولا يقتصر العمل الاستباقي للمواجهة على البُعد الأمني والعسكري، اذ يبدو أن هناك توجها بالقضاء اللبناني للتشدّد في اصدار الأحكام بحقّ الذين يثبت تورطهم بالقتال مع هذه التنظيمات، بعدما تبيّن أن القسم الأكبر منهم لن يتوانى عن تطبيق ما تشرّبه من أفكار هذه المجموعات حين يجد الفرصة المناسبة. وبحسب المصادر، فان التدابير ستتكثف باطار مراقبة ومتابعة الخارجين من السجون بتهم ارهاب لقطع الطريق على ايّة محاولات لاعادة التواصل في ما بينهم او لتنفيذ عمليّات وفق أسلوب "الذئاب المنفردة".
فهل تكون عمليّة طرابلس حلقة أولى من عودة مسلسل الارهاب الى لبنان؟ أم جرس انذار يؤدي الى استنفار القوى الامنية والعسكرية مجددا بعد محاولات اشغالها بملفات داخلية تشتت تركيزها؟!.