مَن طلب المفاوضات لأجل ترسيم الحدود البرية والبحرية مع العدو؟ «إسرائيل» أم لبنان أم الولايات المتحدة الأميركية؟ ومَن الطرف صاحب المصلحة في انطلاق مفاوضات كهذه الآن؟ ومَن الطرف المحشور والمضغوط لأجل أن يطلب مثل هذه المفاوضات؟ هل هي «إسرائيل» أم لبنان أم الولايات المتحدة نفسها؟
مقالات مرتبطة
رسائل «نصر الله» تفعل فعلها في تل أبيب: صواريخ حزب الله الدقيقة غير دقيقة! علي حيدر
الأسئلة ضرورية، لأن نتائج الاتصالات الجارية حول الأمر تظهر مؤشرات مقلقة، أبرزها أنّ في لبنان مسؤولين واهمين بأنه يمكن الحصول من خلال المفاوضات مع إسرائيل على حقوق لبنان بالأرض والمياه وما هو موجود تحتهما. كذلك، لأن واشنطن ترغب في إنجاز لا يتصل حصراً بإشاعة أجواء إيجابية حول التواصل بين العرب والعدو الإسرائيلي، بل في إنجاز يتصل أيضاً بأن تتوصل هي إلى ضمانة اتفاقات تجعلها الطرف المسيطر على إنتاج الغاز والنفط الموجودَين على ساحل المتوسط وتصريف ناتجهما وتوزيعه. أما إسرائيل، فهي صاحبة مصلحة إذا كانت النتيجة إعلان لبنان أنه لم يعد هناك خلافات معها، حتى تتصرف وفق قاعدة أنها سحبت الذرائع من يد المقاومة. لكن العدو يعرف الثمن مسبقاً، وهو الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وإخلاء نحو 13 نقطة على طول الحدود البرية، إلى جانب تثبيت الحدود البحرية وفق ما تنتهي إليه الحدود البرية. وهذا الثمن مستبعد التحصيل، لأن العدو، ببساطة، ليس في وارد تقديم تنازلات حقيقية، لا في البر ولا في البحر... فلماذا إذاً هذا «الاستعجال والانفحاط» بما يطلق عليه اليوم، مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل لمعالجة ملف الحدود البرية والبحرية؟
في الشكل، يجب توضيح أمر، هو أن الزيارات المكوكية للمسؤول الأميركي ديفيد ساترفيلد للبنان وفلسطين المحتلة، لا تعكس كثافتها أن هناك استعجالاً إسرائيلياً وأميركياً لإنجاز هذه الصفقة. وليس صحيحاً أن هناك أولوية أميركية بارزة اسمها ملف الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة. صحيح أن الرجل مكلَّف هذا الملف، ريثما ينتهي البت بنقله إلى السفارة الأميركية في أنقرة، أو إلغاء عقد العمل بينه وبين وزارة خارجية بلاده. لكن دعونا لا نتجاهل أنّ ساترفيلد يتردد بوتيرة عالية إلى المنطقة، لأن لديه من يشتاق إليه في تل أبيب، حيث تتولى زوجته - التي تعمل أيضاً في وزارة الخارجية الأميركية - مهمة في الأرض المحتلة. ثم إنّ ساترفيلد، الخبير في الشؤون اللبنانية، يجيد في كل مرة يأتي فيها إلى هنا، زيادة بعض العناوين السياسية على مهمته، أو ينقل رسائل خاصة كما حصل في ملف الصواريخ.
في الشكل أيضاً، ليس لدى العدو استراتيجية محسومة حيال ملف الحدود مع لبنان. وأولويته لا تتعلق بتسوية خلافات على نقاط حدودية «متنازع عليها»، كذلك إن برنامج التنقيب عن النفط والغاز ليس مرتبطاً بنتائج هذه المفاوضات. بل إن أولويته اللبنانية قائمة ومركزة على بند واحد هو: تعاظم قوة المقاومة. لذلك، فإن تل أبيب تُحسن، بدعم أميركي، إبراز الاهتمام بملف الحدود، حتى إذا ما بدأت الاتصالات أو انطلقت المفاوضات، ستكون على طاولة البحث عناوين وملفات لا صلة لها بأصل الموضوع. وفي هذا السياق، تتضح أسباب الكلام الأميركي «الترغيبي» للبنان بأن الدخول في مفاوضات «من دون شروط» والتقدم إلى الأمام، سيجعل الولايات المتحدة تساعد في انطلاق ورشة القروض المقررة في باريس - 4 («سيدر»)، وأنّ واشنطن ستدعم عودة الاستثمارات الخارجية إلى لبنان. كذلك تتضح أسباب الكلام «التهويلي» القائل بأن لبنان مضطر إلى كبح جماح التسلح النوعي عند المقاومة، لأن إسرائيل لن تسكت عن امتلاك «قوة غير شرعية» في لبنان أسلحة تهدد أمنها القومي.
في الحالتين، لا يظهر أن التوافق اللبناني الرسمي على موقف موحد من المطالب، ينعكس توافقاً كاملاً على طريقة التعامل مع العروض الأميركية. ما حصل فعلياً، بعد وساطات متنوعة، أنّ أركان الحكم في لبنان (الرؤساء الثلاثة وحزب الله) توافقوا على حزمة موحدة من المطالب اللبنانية، تقول بترابط الترسيم البري والبحري، ورفض التسويات الجانبية في ملف تبادل الأراضي أو المنطقة الاقتصادية المشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلة. لكن هذا التوافق، الذي أزعج الأميركيين لبعض الوقت، لم يكن حاسماً لجهة كيفية التعامل مع التصورات الأميركية لإدارة التواصل.
لماذا استعجال التفاوض طالما أن المقاومة قادرة على منع العدوّ من التنقيب عن النفط في كل المياه الفلسطينية؟
في هذه النقطة، ليس واضحاً إلى الآن، مَن الذي تعجبه فكرة المفاوضات برعاية أميركية صافية، أو بضمانة أميركية، لكن في ضيافة الأمم المتحدة. علماً أن جهات رسمية لبنانية، تقول بأن المقترح ليس مفاوضات سياسية حول هذه النقطة أو تلك. إنما هو مشروع تواصل هدفه تثبيت ترسيم الحدود البرية والبحرية. وتضيف أن الحاجة إلى تفاوض تعود إلى كون التجربة الأميركية السابقة (خط هوف) قامت على مشروع تسوية عرضها الأميركيون من خلال هذا الخط. لكن لبنان يريد ترسيماً وتثبيتاً للحقوق كما هي ولا يريد تسوية، لا في البر، ولا في البحر. وتشير هذه الجهات إلى أن لبنان سبق أن رفض فكرة أن تدير الولايات المتحدة من خلال شركات خاصة بها، أعمال التنقيب في المنطقة «المتنازع عليها»، وأن تتولى هي جمع العائدات في صندوق يظل تحت إشرافها، وتجمد الأموال فيه حتى يتم التفاهم بين البلدين على نسبة كل منهما. لكن لبنان عاد وأبلغ الأميركيين رفضه تلك الفكرة، مؤكداً أنه لا يعتقد بوجود منطقة متنازع عليها، بل إن إسرائيل قررت ترسيماً من طرف واحد حتى تقيم النزاع، وأنه يريد ترسيماً واضحاً يفصل بين المناطق الاقتصادية. وفي وقت لاحق، إذا تبين وجود خزانات جوفية مشتركة على جانبي الحدود، تجري الاستعانة بحل على الطريقة الأميركية. لذلك، يعتقد لبنان أن إسرائيل تلجأ إلى مناورات لإخفاء مشكلتها في مقاربة الأمر. وتقول الجهات الرسمية اللبنانية إنّ ساترفيلد فهم بصورة قاطعة لا لبس فيها، أنّ المفاوضات ستكون في ضيافة الأمم المتحدة التي تترأس الاجتماعات، وأنّ الحضور الأميركي يكون ضمانة، وأنّ لجان العمل في البر والبحر ستعمل بالآلية نفسها، وفي الوقت نفسه حتى يجري التوصل إلى ترسيم نهائي للحدود.
لكن، لنعد إلى السؤال الأول: ما مصلحة لبنان في هذا النوع من التواصل أو التفاوض؟
لبنان يريد استعادة أرضه، واستعادة سيطرته على كامل المنطقة البحرية الخاصة به. ويريد أن يدير بنفسه عمليات التنقيب عن النفط والغاز. ولا يريد أن تعطل إسرائيل هذه العملية بهذه الحجة أو تلك. ومنطق الأمور والوقائع السياسية يقول إنّ لبنان لن يكون البلد العربي الذي يدخل الآن في مفاوضات مع إسرائيل هدفها تسوية نزاعات حدودية، بينما تواجه إسرائيل مأزق عدم التوصل إلى أي اتفاق مع الفلسطينيين، وبادرت إلى إقفال باب التفاوض مع سوريا من خلال ضمّ الجولان برعاية أميركية. كذلك فإن العدو لا يرى نفسه ملزماً بأيّ تنازلات. فلماذا يعطيه لبنان هذه الهدية؟
في مسألة الحدود البرية، ليست هناك مشكلة لبنانية ملحّة توجب عليه التفاوض أو التنازل حتى يذهب إلى «الطاولة». ولبنان لن يكون الدولة التي تشرّع عملية تبادل الأراضي الجاري بحثها في مناطق أخرى من المنطقة. ولبنان يمكنه أن يبدأ العمل في البحر في أيٍّ من البلوكات البعيدة عن الحدود مع فلسطين المحتلة.
إضافة إلى ذلك، يعرف الأميركيون، كما إسرائيل، كما جهات لبنانية عدة، أنه لا يمكن العدو المبادرة إلى أي عمل من شأنه تعطيل عملية التنقيب اللبنانية. وإذا سارعت إسرائيل بدعم أميركي إلى منع لبنان من التنقيب في أي نقطة حتى يتم التوصل إلى اتفاق، فإن المقاومة في لبنان قادرة، على منع إسرائيل من القيام بأي عمليات تنقيب في كل الشاطئ المتوسطي لفلسطين المحتلة، إلى أن يتمكّن لبنان من القيام بالمثل. فلماذا العجلة إذاً؟
الصواريخ الدقيقة: الحريري يحيل ساترفيلد على غيره
في خطابه لمناسبة يوم القدس، تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن ملف الصواريخ الدقيقة. ورد على التهديد الأميركي ــــ الإسرائيلي بضرب لبنان في حال عدم تعطيل عملية امتلاك المقاومة قوة صاروخية دقيقة.
أصل الحكاية كانت في الزيارة ما قبل الأخيرة للمبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد للبنان. يومها حمل المسؤول الأميركي الى رئيس الحكومة سعد الحريري ملفاً قال إنه يحوي معلومات موثقة لدى الأميركيين، حول وجود منشآت عسكرية خاصة لحزب الله في أكثر من منطقة لبنانية، وأنها متخصصة في صناعة الصواريخ الباليستية الدقيقة. وطلب المسؤول الأميركي من الحريري إجراء الاتصالات اللازمة لوقف هذا الأمر، لأن إسرائيل لم تعد قادرة على تحمّل ما يجري.
لم يجب الحريري المسؤول الأميركي مباشرة، واستمهله بعض الوقت لإجراء اتصالات مع الجهات اللبنانية المعنية. وحصلت مراسلات بين الحريري وقيادة حزب الله الذي أجاب بأنه يملك الصواريخ الدقيقة، لكنه لا يملك مصانع لإنتاج هذه الصواريخ. وشرح الحزب لرئيس الحكومة خلفية الكلام الأميركي والإسرائيلي. لكن الأميركيين عادوا وأبلغوا الحريري أن هذا الجواب غير مقنع، وأنهم ــــ أي الأميركيين ــــ لديهم معلومات حاسمة حول وجود المصانع، وأن على الحكومة القيام بتفقد هذه المنشآت والتثبت من الأمر. لاحقاً، تبيّن للحريري أن ما يطلبه الأميركيون غير وارد، لا لأن المقاومة ترفض عادة أن يتدخل أحد في عملها العسكري، بل لأن المقاومة لا تملك مصانع. وهو الجواب الذي حمله الحريري الى ساترفيلد في آخر زيارة. وقال له: من الأفضل أن تثير الأمر مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري.
ساترفيلد، بعد انتهاء بحثه ملف الحدود مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، طلب أن يتحدث في نقطة إضافية. شرح الأمر نفسه (مصانع الصواريخ الدقيقة)، وقال إنه سبق أن أثار الأمر مع الحريري، لكن لم يكن هناك أي تجاوب. وكرر تحذيراته من أن إسرائيل سوف تعالج الأمر بنفسها إذا لم تبادر الحكومة اللبنانية الى القيام بخطوات عملية. وهو الأمر نفسه الذي أثاره الموفد الأميركي مع الرئيس عون.
وبعد التداول، وجد حزب الله أن من المفيد أن لا ينقل جواباً الى الأميركيين عبر أي من المسؤولين اللبنانيين. وقرر أن يكون الجواب مباشرة وعلى لسان أمينه العام، وفيه رد واضح على التهديد بضرب لبنان. وهو ما قاله نصر الله في الخطاب حين قال إنه إذا قام العدو بأي اعتداء على أي شيء يخص المقاومة، فسيكون الرد مباشرة وسريعاً وقاسياً. وهذا ما يعني في علم المقاومة عندنا أن الوحدة الصاروخية لديها تعليمات حاسمة، بأن تعدّ بطاريات صواريخ مثبتة الوجهة ضد أهداف منتقاة بعناية داخل الأرض المحتلة، مع تعليمات تعتمد مبدأ «التماثل»، أي أن القادة الميدانيين يعرفون الهدف المفترض قصفه رداً على قصف العدو هذا الهدف أو ذاك من مراكز المقاومة.
لا بوابة لبنانية لنفق رامية
أعلن العدو، قبل مدة، أنه أبلغ الأمم المتحدة عن اكتشافه نفقاً متشعباً داخل الأراضي المحتلة، وطريقه تقود نحو بلدة رامية الحدودية. ثم قرر في فترة أخرى، العمل ليس على تفجير النفق، بل على سده بالاسمنت، معتمداً الطريقة التي اعتمدها لسد النفق قرب كفركلا. وللغاية، تم استقدام شاحنات محملة بالاسمنت السائل وتم ضخها من فوهة النفق المزعوم. وبرغم تفريغ حمولة نحو 375 شاحنة، إلا أن العدو لم يلحظ خروج الاسمنت من أي بوابة للنفق داخل الأراضي اللبنانية، بخلاف ما حصل قبالة بوابة فاطمة. وعندها باشر العدو عملية بحث وطلب من الأمم المتحدة مساعدته لمعالجة هذه الثغرة التي لم تقفل باب هذا النفق بعد!