ذئبٌ منفرد أم انغماسي مدجّجٌ بالسلاح أم مضطربٌ نفسياً قرر الثأر من الجيش والقوى الأمنية على خلفية بضع صفعات تلقّاها خلال توقيفه قبل ثلاث سنوات إثر محاولته الإلتحاق بصفوف تنظيم «داعش»؟ أياً تكن التسمية التي أُطِلقت على عبدالرحمن مبسوط، الإرهابي الذي قَتل أربعة أفراد من الجيش والقوى الأمنية ليل الإثنين - الثلاثاء، يبقى الثابت الوحيد المرحلة الخطيرة التي تُنبئ بها هذه العملية. فهي جاءت مختلفة عن سابقاتها من حيث الشكل. حتماً لم يُرِد الارهابي المدجّج بالسلاح إراقة دماء مدنيين، وإلا لكانت حصيلة الشهداء أكبر بكثير. وقد بدا ذلك جلياً من خلال ما أظهرته كاميرات المراقبة، بحيث بدا أنّ المارّين ليسوا على لائحة أهدافه. تحدّثت وزيرة الداخلية ريّا الحسن والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان عن اضطرابٍ نفسي لدى مبسوط، ربّما شكّل دافعاً لديه لارتكاب جريمته. غير أنّ الاستماع إلى التسجيل الصوتي للإرهابي يُؤشر إلى أنّه كان واعيا جدّاً لكل فعلٍ يقوم به بعدما اتّخذ قراره بتنفيذ «الغزوة في سبيل الله». طلّق زوجته ثم انطلق. حتى رسالته التي خطّها على المرآة في المنزل الذي التجأ إليه، لم تكن عادية. أراد إظهار صورة مغايرة للصورة التي طبعت مقاتلي تنظيم «داعش» من حيث الوحشية والدموية. غير أنّ كل ذلك لا يُخفي حقيقة ما كانه هذا مبسوط الذي يُشبه حاله حال كثيرين من أبناء تلك المنطقة البائسة. شابٌ بلا عمل يفتقد لأي أمل بفرصة حياة أفضل، هو مزيجٌ من الفقر واليأس والحقد والثأر والتعبئة، ابتلي سابقاً بتعاطي المخدرات قبل أن يُقلع عنها ثم قرر الإلتحاق بـ«داعش». غير أنّه وقع في قبضة السلطات التركية التي رحّلته. وصل إلى لبنان فأوقفه الأمن العام وأحاله إلى فرع المعلومات الذي كان قد أصدر بلاغاً بحقّه. بعد التحقيقات الاولية، احيل على المحكمة العسكرية التي أصدرت حكماً بسجنه لنحو عام ونصف عام بجرم الانتماء إلى مجموعة إرهابية، قبل أن يخرج من السجن في 21 أيلول 2017.
لم يُحسم بعد إن كان مبسوط أحد «الذئاب المنفردة» التي تتّخذ قرارها بالهجوم بدافع ذاتي. غير أنّ هذا الأسلوب بات معتمداً بعد تفكيك قسم العمليات الخارجية في تنظيم «داعش» الذي كان مسؤولاً عن عدد من الهجمات الإرهابية التي طالت عدداً من الدول الأوروبية والعربية (من بينها لبنان). حتى أنّ عمليات الدهس التي نُفّذت في عدد من الدول الأوروبية، وُضعت في خانة أسلوب الذئاب المنفردة. ولعلّ هجمات سريلانكا الإرهابية في عيد الفصح التي تبنّاها التنظيم الارهابي ثأرا لهجوم نيوزيلندا الذي طال مسجدين وقُتل فيه ٤٨ شخصاً، كانت نقطة التحوّل التي أعطت دفعاً استثنائياً لمؤيديه حول العالم. لا سيما أنّها أعقبت انتكاسة عاشها التنظيم على وقع أخبار تُتداول عن التمكّن من القضاء عليه، والتي تلاها ظهور مفاجئ لأميره أبو بكر البغدادي للمرة الأولى منذ بدأت «الحرب العالمية» للقضاء على التنظيم المتشدد. كل ذلك يفتح الباب واسعاً أمام مرحلة جديدة ربما تكون قد بدأت. وهذا يضع القوى الأمنية أمام امتحانٍ صعب، إذ إنّ من ضرورات الأمن الاستباقي أن يوضع ذوو الأسبقيات في عالم الإرهاب تحت المراقبة المشددة بعد خروجهم من السجن. ما شهدناه منذ فجر عيد الفطر من سجالات سياسية - إعلامية لا يبشّر بأن السلطة السياسية تعي خطورة المرحلة التي ربما تكون عملية طرابلس الإرهابية فاتحة لها. فهذا الأسلوب من العمليات لا يمكن مواجهته بالسبل التقليدية. التعاون الواجب هنا بين الأجهزة الامنية ينبغي ان يتجاوز «الشكليات» التي تحكم علاقاتها، كما انقساماتها السياسية والطائفية.
تجدر الإشارة إلى أنّ استخبارات الجيش أوقفت على ذمة التحقيق عددا من الشبان الذين يُشتبه في أنّهم على علاقة ممبسوط، ويُشتبه في أنّه اشترى منهم كمية من الأسلحة والقنابل التي استخدمها في هجومه.