أكد مصدر أمني رفيع المستوى لـ"اللـواء" أنّ "العملية الإرهابية التي نفّذها عبد الرحمن مبسوط في طرابلس عشية عيد الفطر المبارك، تأتي في إطار إعطاء أمراء "داعش" في إدلب، الضوء الأخضر بتحريك الخلايا النائمة، لتنفيذ مُخطّط إرهابي توتيري، من خلال القيام بعمليات أمنية، كانت المُعطيات تُشير إلى أنّ احتمالات الاستهداف، هي دور العبادة الإسلامية والمسيحية، عشيّة العيد لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، في ظل "فولتات" الشحن السياسي المُرتفعة جداً، لذلك جرى تكثيف الجيش والأجهزة الأمنية القيام بالإجراءات الأمنية، لكن مَنْ أوكلت إليهم المُهمة، كانوا عُرضة للاستهداف".
وكشف المصدر الأمني الرفيع عن أنّ "تعليمات الإرهابيين أُعطيت لتحريك "الذئاب المنفردة"، لتنفيذ المُستطاع من أهداف مُتعدّدة ومتنوّعة، وهو ما يُمكن، لشخص بشكل منفرد أو ضمن مجموعات ضيّقة، القيام بعمل أمني، في مُحاولة لاستنهاض الخلايا الإرهابية النائمة، بعدما أُصيبت بضربة قاصمة،
إثر إنهاء حالتها من جرود لبنان الشرقية في صيف العام 2017".
ورأى أنّ ما يُعزّز فرضية المخطّط التوتيري، الذي نفّذه مبسوط - وإنْ كان هو في الصورة المباشرة لتنفيذ العمليات الإرهابية - لكن هناك مَنْ ساعده للقيام بذلك انطلاقاً من أنّ:
- استهدافه 3 مراكز في مناطق مُتباعدة يحمل رسائل ذات أبعاد مُتعدّدة، ضد الجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، والسراي الحكومي ومصرف لبنان، فضلاً عن المواطنين، ما يُؤكّد أنّ المُخطّط مدروس باختيار الأهداف، ما يعني كل منها استهدافاً لهيبة السلطة الرسمية والعسكرية والأمنية والمالية.
- الأسواق التجارية في "عاصمة الشمال"، كانت في ذروة الازدحام ليلة عيد الفطر، ومُكتظة بالناس، ما يُصعّب حركته.
- هناك مَنْ ساعده في الاستطلاع، وأيضاً في تأمين الأسلحة والذخيرة والمتفجّرات، التي تحتاج إلى كلفة، وهو بالكاد يكفي نفسه، ولا يجد قوت يومه لزوجته وولديه.
- هناك مَنْ قام بعملية تصوير اعتدائه ضد جيب عسكري للجيش اللبناني، الذي جرى بثه بسرعة كبيرة بعد ارتكاب الجريمة.
- ثم نشر التسجيل الصوتي، التي يتوجّه به إلى زوجته، والذي سجّله قبل قيامه بأعمال الإرهابية.
- سهولة وسرعة التنقّل بين منطقة وأخرى، والتي تحتاج إلى وقت، خاصة أنّه بعدما اعتدى على
دورية الجيش اللبناني، تخلّى عن دراجته النارية، وانتقل لمتابعة تنفيذ أعماله الإرهابية الأخرى.
أهداف المخطّط
فقد استغل مبسوط انشغال النّاس بالتحضيرات لعيد الفطر المبارك، التي تغصَّ بها شوارع مدينة طرابلس، حين الازدحام في الأسواق، في توقيت الجميع ينتظره، فتنقّل لتنفيذ مُخطّطه، الذي يهدف إلى:
- استهداف رموز الدولة.
- لفت الأنظار إلى قضية "الموقوفين الإسلاميين" في السجون اللبنانية، الذين كان أحدهم، مع الحديث عن قرب إصدار قانون عفو عام، لن يشمل مَنْ اعتدى على الجيش والقوى الأمنية والدولة.
- التصعيد العسكري في إدلب، وموجة التفجيرات التي أعلن "داعش" تبنّيها في أكثر من مكان.
تطرح قضية مبسوط الوساطات السياسية التي تُجري لسرعة إطلاق موقوفين أو تخفيف أحكام.
وأيضاً أهمية الملاحقة والمتابعة من قِبل الأجهزة الأمنية لمثل هؤلاء الذين يمضون فترة في السجن، وبدلاً من أنْ يكون لتأهيلهم وإعادتهم للاندماج في الحياة بشكل طبيعي، يتحوّل إلى مدرسة فيها الكثير من التغرير بهم وتدريبهم على تنفيذ واستخدام المتفجّرات والأسلحة.
وبات ضرورياً الإسراع في إصدار الأحكام في ملفات الموقوفين، والتي قد تكون أطول من فترة الحكم لدى صدوره، فيصبح البحث عن مواد قانونية تتلاءم والمدّة التي قضاها الموقوف في السجن!
وأيضاً مُعالجة جانب بالغ الخطورة، وهو كيف يتم غسل دماغ بعض الشبان والتغرير بهم، في جانب من حياتهم مُلتزمون دينياً، صلاة وصوم وتعبّد، وفي الوقت ذاته يُنفّذون عمليات إرهابية تُزهِق الأرواح!.
لكن السؤال الذي يُطرَح، لماذا طرابلس؟، والآن بعد أكثر من 5 أعوام من الاستقرار والهدوء، منذ إنجاز الخطة الأمنية في 1 نيسان 2014؟!
الدماء الطاهرة
لقد ارتوت أرض "عاصمة الشمال" بالدماء الطاهرة لشهداء الجيش والقوى الأمنية والمواطنين، ومن مناطق مُتعدّدة، ما يُؤكّد أنّ الإرهاب لا يُفرّق في استهدافه بين منطقة أو طائفة أو حتى جنسية، كما الإرهابيين لا دين أو طائفة أو منطقة لهم، بل هدفهم زرع القتل والدمار والرعب.
وهنا يُسجّل للفلسطيني صابر مراد (33 عاماً)، الدور البطولي، الذي قام به، بعرقلة تحرّك الإرهابي مبسوط، من خلال صدمه بسيارته الخاصة، للدراجة النارية التي كان يقودها مبسوط مرّات عدّة، قبل أنْ يُطلِق الأخير 11 رصاصة باتجاهه، توزّعت بين السيارة و3 في رأس وجسد مراد، مفتدياً بحياته المواطنين الأبرياء.
نفّذ عبد الرحمن مبسوط اعتداءه بإلقاء قنابل وإطلاق رشقات نارية، مختاراً "عاصمة الشمال"، عشية عيد الفطر المبارك، ما أدّى إلى سقوط 4 بين ضابط ورتيب من الجيش وقوى الأمن الداخلي،
إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى، بينهم مدنيون.
فقد انطلق مبسوط في تنفيذ مُخطّطه من أمام مصرف لبنان بالقرب من سراي طرابلس الحكومي، بإلقاء قنبلة يدوية وإطلاق رشقات من سلاح حربي باتجاه نقطة أمنية لقوى الأمن الداخلي أمام مصرف لبنان.
بعدها انتقل إلى محيط سنترال الميناء، ليُطلِق النار باتجاه سيّارة لقوى الأمن الداخلي كانت مُتوجّهة إلى منطقة إطلاق النار الأولى، حين ترجّل أحد عناصرها لتسهيل حركة المرور، حيث غدر الإرهابي مبسوط بالدورية من الخلف، مُطلِقاً النار باتجاه عناصرها، ما أدّى إلى استشهاد الرقيب جوني خليل (من العيشية في الجنوب) والعريف يوسف فرج (من حوش تل صفية في البقاع).
ولم يشفع مشهد المواطنين المروعين لوقف غيّه، حيث انتقل إلى منطقة مرفأ طرابلس، وظهر في مقتطفات جرى تصويرها كيف ركن دراجته النارية، وأطلق النار باتجاه جيب عسكري للجيش ما أدّى إلى استشهاد الملازم أوّل حسن علي فرحات (من برعشيت قضاء بنت جبيل في الجنوب) والمجند إبراهيم محمّد صالح من (جديدة مرجعيون في الجنوب).
من هناك سارع بالانتقال إلى شارع دار التوليد، وتحديداً مبنى إيعالي، محاولاً اقتحام أكثر من شقة فيه، لكنه فشل في ذلك، وعندما لم يفتح له أحد أبواب منازلهم، صعد إلى الطابق الرابع، خالعاً باب الشقة
التي كان صاحبها كمال الفري في محله المعدّ لبيع الأدوات المنزلية، ولحقت به زوجته لمساعدته قبل وقت قليل.
تحصّن مبسوط على شرفة الشقة، مُطلقاً النار باتجاه العسكريين الذين كانوا قد ضربوا طوقاً أمنياً في محيط المبنى، قاطعين الشوارع المؤدية إليه.
ونجحت القوّة الضاربة في الجيش و"شعبة المعلومات" في مُحاصرته، قبل أنْ يُفجّر نفسه بحزام ناسف، كان يزنّر به خاصرته، ما أدّى إلى مقتله على الفور، ومُحدِثاً أضراراً فادحة في المنزل، مع وصية قال فيها: "سامحني أخي المسلم قدر الله، أحبك فلله لم أقصد".
وقد أوقفت الأجهزة الأمنية عدداً من الأشخاص للتحقيق معهم للوقوف حول إذا ما كان هناك مَنْ ساعده في تنفيذ مخطّطه الخطير!
مبسوط نفّذ تهديداته
عبد الرحمن مبسوط، من مواليد طرابلس، قاتل إلى جانب مجموعة أسامة منصور في طرابلس في العام 2014، قبل أنْ يتوجّه إلى تركيا في العام 2015، ومنها إلى منطقة أعزاز.
أوقف من قِبل السلطات التركية لمدّة 6 أشهر، قبل تسليمه في العام 2016 إلى الأمن العام اللبناني، فجرى تسليمه إلى "شعبة المعلومات" في قوى الأمن الداخلي، حيث جرى التحقيق معه، قبل تحويل إلى
"المحكمة العسكرية الدائمة" في بيروت، التي أصدرت في العام 2016 حكماً قضى بسجنه لمدة سنة ونصف السنة، بدلاً من 3 سنوات بتهمة الانتماء إلى مجموعات إرهابية، قضاها في "سجن رومية" بين المبنيين "د" و"ب"، قبل إخلاء سبيله وخروجه من السجن.
لكن تلك الفترة لم تزده إلا تمسّكاً بأفكاره الإرهابية ضد الدولة اللبنانية والجيش والأجهزة الأمنية.
وجرى توقيف مبسوط خلال العام 2019، والتحقيق معه، قبل إطلاق سراحه، حيث نفّذ ما كان قد غرّر به، وأصبح يُشكّل قناعة لديه، ويتبجّح مُعبّراً عنه بكلامه، إلى تنفيذ عملاني باستهداف الجيش وقوى الأمن الداخلي.