أقام المحترف المخلّصي لكتابة الأيقونات المقدّسة مساء أمس حفل تخرّج الدفعة الأولى من طلابه في الاكليريكية المخلصيّة الكبرى-جعيتا برعاية الرئيس العام للرهبانية الباسيليّة المخلصيّة الأرشمندريت أنطوان ديب.
واستهلّ الأرشمندريت ديب كلمته في الحفل بسؤال "هل هناك اعظم من ان يقدر الانسان ان يجسد صورة الله في حياته اولا وفي كتابة الايقونة ثانيا؟"، معتبراً أنه "ينطبق على كاتب الايقونات ذلك القول "الاناء ينضح بما فيه"، واذا كان راسم الايقونة ينضح باتحاده بالمسيح يسوع في حياته وفي كيانه فانه يترجم في الايقونة التي تخرج من عمل يديه وعمل الله من خلاله".
ولفت ديب الى ان "من نعم الله الكثيرة على الرهبانية المخلصية التي لا تعد ولا تحصى ونحن من نعمه نعيش، فانه من تلك النعم هو وجود الاب نداء ابراهيم، ونشهد جميعا ثمار هذا العمل المقدس ونأمل ان نرى في المستقبل القريب بناء خاصا لهذا المعهد مضافا اليه فروعا اخرى من الفن والروحانية الكنسية الشرقية والغربية على صورة رهبانيتنا المخلصية وموهبتها التأسيسية الا هو الوحدة والجمع بين الشرق والغرب والوحدة بين المسيحيين لتظهر صورة الله من خلالها"، مشيراً إلى أن "هذه المناسبة مقدسة، لان ما قمتم وتقومون به هو عمل مقدس، هي قبل كل شيئ لحظة لقاء لقاء بالله من خلال هذه الايقونات المقدسة وانتم ايقونة وصورة الله على الارض، هي ثانيا لحظة تهنئة لكتاب الايقونات، انتم الذين اعطيتم من وقتكم وكرستم من حياتكم في رسم صورة العذراء مريم والقديسين بريشة من روحانيتكم تحركها الصلاة المحبة".
وأمل ديب أن "تصبح مادة رسم الأيقونات مادة إلزامية خلال الدراسة الجامعية لرهباننا لان أفضل مدرسة للاهوت هو التأمل في صورة الله قبل كل شيء"، وختم بالقول "أنهي كلمتي هذه بدعاء الى المخلص وأمه البتول ان يرسل روحه القدوس عليكم وعلى عيالكم ويبارككم كي تكونوا رسلا تنقلون صورة المسيح حقيقة اينما حللتم".
من جهته، أوضح رئيس المحترف المخلّصي للايقونة الأب نداء ابراهيم، في كلمته التي ألقاها بالمناسبة، انه "لمَّا حلَّ ملءُ الزَّمان، كشفَ الآبُ عن وَجْههِ الحقيقيِّ بابْنِه يَسوع المَسيح، "هو بَهاء مَجْد الله وصورةُ جَوْهره" يقولُ عنه مار بولُس. ونزلَ إِلى الأَرْضِ ليُجدِّدَ الإِنْسانَ، ويُعيد إِلَيْه بَهاء وَجْهه الأَوَّلِ، نزلَ ليَعيشَ معه مُغامرةَ الحُبِّ، والعَوْدةِإِلى السَّماء. يَسوعُ المَسيح هو أَيْقونةُ الله الآبِ، هو صورتُه، "مَنْ رآني فقد رأى الآبَ"... مِن خِلاله نَتعرَّفُ إِلى صُورةِ الله في داخلِنا".
وأوضح الأب ابراهيم أن "الأَيْقونةُ الَّتي تَعْني باليونانيَّة "صورةً"، تَعْكُسُ صُورةَ اللهِ وصُورةَ البَشرِ في آنٍ معًا... صورةُ اللهِ لأَنَّها تُمثِّلهُ ماديًّا مِنْ خِلال الرَّسْمِ واللَّوْنِ والشَّكْلِ، وصُورةُ الإِنْسـانِ، لأَنَّه خُلِقَ على صُورةِاللهِ ومِثالِه"، مشيراً إلى أنه "لا يُخْفى على أَحدٍ، أَنَّ قيمةَالأَيْقونةِ هي فيما تُمَثِّلُ، إِذا نَظَرْنا إِلَيْها نَتَطلَّع إِلى الأَصْلِ، فهي تَنْقلُنا مِن رُؤيةٍ ماديَّةٍ إِلى رُؤيةٍ روحيَّةٍ. هي الكتابُ المُقدَّسُ لغَيْر القادِرينَ على القِراءَةِ... تُذكِّرُنا بِتاريخِ الخَلاصِ كُلِّهِ، وبِعملِ اللهِ وتَدْبيرِه الإِلَهيِّ".
وأكّد الأب ابراهيم أنه "مُنْذ خَمْس سنواتٍ، وتَلْبيةً لِنداءِ البابا أَنْ "اخرُجوا إِلى العالمِ رُسُلاً لأَنْجلةٍ جَديدةٍ"، كان المُحْتَرفُ المُخلَّصيُّ لكِتابةِالأَيْقونةِ، الثَّمرةَ الجَديدة في كَرْمِ الرِّهْبانيَّةِ الباسيليَّةِ المُخلَّصيَّةِ. وجودُ المُحْتَرفِ في قَلْبِ الإِكْليريكيَّةِ المُخلَّصيَّةِ الكُبْرى، يُضْفي عَلَيْه الطَّابعَ الرَّسوليَّ-الرُّوحيَّ، فحُضورُ الطَّالبِ في هذا الصَّرْحِ، وانْخِراطِه في كِتابَةِالأَيْقوناتِ المُقدَّسةِ، تَجْعلُه يَعود إِلى ذاتِه، ليَسْمعَ صَوْتَ اللهِ في داخِلِه... هي لَيْسَت مُجرَّدُ دِراسةٍ وإِتْقانِ فنٍّ مِن الفُنونِ، بَل بِشارةٌ جَديدةٌ تُضيفُها الرَّهبانيَّةُإِلى تاريخِها الرُّوحيِّ والثَّقافيِّ"، شاكراً "الرِّهْبانيَّةَ بِشَخْصِ الأَبِ العامِّ الأرشمندريت انطوان ديب، لثِقَتِها ودَعْمِها الدَّائمَيْن، لمُتابَعةِ المَسيرةِ، على أَمَلِ أَنْ يَفْتَح عَمَلُ الرُّوحِ آفاقَ أَوْسَعَ،فَيصِلَلأَكْبرِ عددٍ مِن المُؤْمِنين".
وتوجّه الأب ابراهيم إلى الطلاب، موضحاً أن "أمنا الكَنيسةُ تعلّمنا، أَنَّ كِتابةَالأَيْقونَةِ، تَحْتاجُ إِلى صَوْمٍ وصَلاةٍ... هي عَمَلٌ مُقدَّسٌ، والعَمَلُ المُقدَّسُ يَحْتاجُ إِلى طُقوسٍ وشَعائرَ روحِيَّةٍ، ليَبْلغَ كمالَه بِنِعْمةِ الرُّوحِ، ولكنَّني أَقولُ لَكُم إِنَّ الصَّوْمَ والصَّلاةَ، يَحْتاجان إِلى بيئةٍ مُناسبةٍ، بيئةِ التَّواضُعِ والامِّحاءِ والحاجةِ الدَّائِمةِ إِلى نِعْمةِ الرُّوحِ القُدُسِ، ليَعْضُدَ مَسيرةَ كاتِبِ الأَيْقونةِ، ويُباركَ عَمَلَ يَدَيْه"، مشيراً إلى أنه "كَثُرَ في السَّنواتِ الأَخيرةِ عددُ الَّذين يَكْتبون الأَيْقوناتِ ولكِنْ للأَسَفِ، لمُجرَّد أَنَّني أَنْجزْتُ عملاً أَو أَكْثر، يَسْتَيْقظُ في نَفْسي شَيْطانُ الغُرورِ والكِبْرياءِ ليَهْمُسَ في أُذُني:"ها قَدْ بَلَغْتَ القِمَّةَ، وتَميَّزْتَ عَن سائِرِ البَشر... فأَجِدُ نَفْسي أُكَرِّرُ خَطيئةَ آدَم الأَوَّلِ". وشدد على أن "ما تعلَّمْتُموه لَيْس سوى اليَسيرِ اليَسيرِ مِن هذا الفَنِّ المُقدَّسِ، وأَنْتُم على السِّكَّةِ الصَّحيحَةِ، فثابِروا، واسْتَمرُّوا في كِتابةِ أَيْقوناتِكم أَوْ صلواتِكم وثَقافتِكم... مِن دونِ توقُّفٍ، لأَنَّ محطَّةَ الوصولِ لا وجودَ لَها في هذا العالم!"، مضيفاً "كَتَب أَحَدُ الفلاسِفةِ يومًا:"شَيْئان لا يَشْبع الإِنْسان منهُما: العِلْمُ والقَداسةُ". والأَيْقونةُ هي الحَقْلُ المُناسِبُ للعِلْمِ والقداسَةِ".
وفي ختام الحفل، الذي حضره المطران الارمني الارثوذكسي ماغار أشكاريان، عميد كليّة اللاهوت بجامعة الروح القدس الكسليك الأب الياس جمهوري، الرئيسة العامة لراهبات القربان المقدّس ماري بجاني، والرئيسة العامة للراهبات الباسيليات المخلصيّات منى وازن، تمّ افتتاح معرض الايقونات واقيم كوكتيل بالمناسبة.