مع عودة رئيس الحُكومة سعد الحريري إلى لبنان، يُنتظر أن تبدأ الإتصالات على أعلى المُستويات لتهدئة الأمور الداخليّة، خاصة على خط "التيّار الوطني الحرّ"-"تيّار المُستقبل"(1)، بسبب كثرة المشاكل الشائكة التي من شأنها زيادة أي إحتقان. وفي حين تأكّد توجّه وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهوريّة سليم جريصاتي إلى دار الفتوى، لتأكيد التمسّك بالتسوية بين "التيار" و"المُستقبل" والحرص على حُقوق وسلطات مُختلف الطوائف والمذاهب، عُلم أنّ رئيس الحكومة قد يتوجّه بدوره إلى قصر بعبدا قريبًا للقاء رئيس الجُمهورية ولمنح التسوية حقنة دعم جديدة. لكنّ هذا التوجّه الإيجابي، لا يحجب وُجود خلافات بين "التيّار" و"المُستقبل"، تستوجب العمل الدؤوب لمنع تفاقمها، وأبرزها:
أوّلاً: تضرّر رئيس الحكومة سعد الحريري من الحركة الناشطة لوزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل، ومن تدخّله في كل الملفّات بشكل مُبالغ فيه، الأمر الذي سمح لكثير من المُتضرّرين من تنامي تأثير الوزير باسيل على الساحة الداخليّة، بالتصويب على رئيس الحُكومة، وباتهامه بالتخلّي عن صلاحيّاته. وعلى الرغم من أنّ الحريري تجاوز في السابق مطبّات مُماثلة، وحاول في الماضي القريب تجاهل الإنتقادات التي طالته خلال مرحلة إعداد المُوازنة بأنّه ترك المُهمّة لوزير المال علي حسن خليل ولوزير الخارجية، فإنّه لم يكن قادرًا على تجاهل تحريك الوزير باسيل مواضيع خلافيّة بشأن الصلاحيّات الطائفيّة وتقاسم السُلطة، والتي كان قد جرى طيّ صفحتها في "إتفاق الطائف"، بشكل أحرجه أمام البيئة السنّية الحاضنة. ويرغب الحريري ألاّ تأتي حركة أي مسؤول سياسي على حساب هيبة موقع رئاسة الحكومة، ومعنوياته وصلاحيّاته، خاصة أنّه يتعرّض لحملات داخليّة غير مُباشرة، وآخر ما يُريده هو الظُهور بمظهر رئيس الحكومة الضعيف!.
ثانيًا: رفض رئيس الحكومة إستمرار الحملات على "شعبة المعلومات" وقانونيّة عملها، ورفضه أيضًا التصويب الدائم على مدير عام قوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عُثمان، إضافة إلى إنزعاجه-ومعه عائلة "آل عيتاني" البيروتيّة والكثير من مُناصري "التيّار الأزرق"، من الحُكم الصادر في قضيّة مُحاكمة المُقدّم سوزان حبيش والمُقرصن إيلي غبش، والذي رأى فيه "تيّار المُستقبل" تخفيفًا مُستغربًا للأحكام، على خلفيّة الصراع الأمني-القضائي بين فرع المعلومات مُمثّلاً بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عُثمان من جهة، ومُفوّض الحُكومة لدى المحكمة العسكريّة، القاضي بيتر جرمانوس من جهة أخرى.
ثالثًا: حرص رئيس الحُكومة على منح كل ذي حقّ حقّه في سلّة التعيينات المُرتقبة في إدارات ومؤسّسات الدَولة، بعيدًا عن مُحاولات الإستئثار بالمراكز من قبل أي جهة، في ظلّ ما يتردّد عن سعي وزير الخارجيّة للإستحواذ على جزء شبه كامل من الحصّة المسيحيّة، إنطلاقًا من الحجم التمثيلي للتيّار الوطني الحُرّ سياسيًا وشعبيًا، الأمر الذي من شأنه أن يتسبّب بإحراج "تيّار المُستقبل" أمام كل من حزب "القوّات اللبنانيّة" و"تيّار المردة" اللذين يرغبان بالحُصول على حصص عادلة في هذه التعيينات، إضافة إلى أنّ من شأن أيّ دعم من جانب "التيّار" لمطالب كل من "الحزب الديمقراطي اللبناني" وحزب "التوحيد العربي" أن يزيد من التوتّر الحالي القائم بين "الحزب التقدمي الإشتراكي" و"المُستقبل". ومُشكلة "التيّار الأزرق" مُحرِجة، حيث أنّ مُطالبته بعدم إستئثار "التيّار الوطني الحُرّ" بالتعيينات المسيحيّة، ستُرغمه على التنازل عن جزء من حصّته لصالح باقي مُمثّلي الطائفة السنّية، في حين أنّ تجاهل رغبة "الوطني الحُرّ" بالتمثيل الواسع، ستحرجه أمام "القوات" و"المردة" و"الإشتراكي" وأمام بيئته الحاضنة أيضًا.
رابعًا: يُعارض "تيّار المُستقبل" أن يقوم "التيّار الوطني الحُرّ" بعد إقرار المُوازنة بتحريك ملفّ النازحين السُوريّين، عبر فتح قنوات التواصل المُباشر مع السُلطات السُوريّة المعنيّة، بتوجيهات مُباشرة من الوزير باسيل، وعبر خُطة مُعدّة من جانب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، وذلك من دون إنتظار الإجماع الحُكومي والداخلي حول هذا الملف، ولا إنتظار أيّ ضمانات دَوليّة خاصة بالعودة الآمنة ولا التمويل الغربي الضروري لتغطية تكاليف هذه العودة من الناحية اللوجستيّة.
في الخلاصة، يُمكن القول إنّ رئيس الحكومة ووزير الخارجية مَحكومان بإستمرار "التسوية الرئاسيّة"، بسبب حاجة كل من الطرفين للآخر، لأنّه من دونها، إنّ فرصة إحتفاظ الأوّل بموقعه الحُكومي ستتراجع بشكل كبير، وفرصة وُصول الثاني إلى قصر بعبدا في المُستقبل ستتقلّص بشكل مُضطرد ايضًا. وهذا الواقع سيدفع كل من الحريري وباسيل، إلى العمل بجهد على حلّ خلافاتهما-مهما تعدّدت ومهما على سقفها!.
(1) كان التراشق الإعلامي العَلني والمُباشر قد بلغ الأسبوع الماضي سقفًا هو الأعلى منذ تفاهمات باريس في نهاية صيف العام 2016.