عقدان مرَّا على جريمة اغتيال القضاة الأربعة على قوس "محكمة جنايات لبنان الجنوبي" في قصر العدل القديم في صيدا، ظهر يوم الثلاثاء في 8 حزيران 1999.
جريمة لم يُسجل التاريخ سابقة مثيلة لها، ارتكبت على قوس المحكمة، بحق من ينطق بالعدل، فإذا به يدفع الضريبة دماءً غالية أدت إلى استشهاد 4 قضاة، هم:
- رئيس "محكمة جنايات لبنان الجنوبي" القاضي حسن عثمان.
- المحامي العام الاستئنافي في الجنوب القاضي عاصم بوضاهر.
- المستشار لدى "محكمة جنايات لبنان الجنوبي" القاضي عماد شهاب.
- رئيس "المحكمة الابتدائية" في الجنوب والعضو المستشار في "محكمة الاستئناف" القاضي وليد هرموش.
فضلاً عن إصابة 5 أشخاص بجراح بين محامين وموظفين في المحكمة وشهود.
الجريمة التي أحيلت على المجلس العدلي، بُدئ وإن متأخراً، عقد جلساتها برئاسة القاضي جوزيف سماحة، والتي يمثل فيها الموقوف الوحيد وسام حسين طحيبش.
تطورات عديدة حصلت بعد جريمة الاغتيال، تطرح جملة من التساؤلات بانتظار أن تُثمر الجدية كشفاً لحقيقة هذه الجريمة، التي يشهد فيها الجميع للقضاة الشهداء مناقبيتهم العالية، ودماثة أخلاقهم، وحكمهم بالعدل.
المطلوب كشف الحقيقة لإراحة أرواحهم في عليائها، ولوضع الحقائق كاملةً أمام الوطن وعائلاتهم التي دفعت الضريبة الغالية، فحُرمت منهم، في وقت أحوج ما تكون إليهم، فمن الآباء والأمهات من رحل وفي قلبه حسرة لعدم كشف حقيقة من اغتال أبناءهم، ونساء رملت، وأطفال كانوا بحاجة إلى حنان الأب، ومنهم من أبصر النور بعد رحيلهم، وأخوة وأخوات وأصدقاء وزملاء يحفظون الذكريات الجميلة لخيرة من القضاة، كانوا يحكمون بالعدل، على الرغم من كل الظروف الصعبة وتغذية النعرات الطائفية والمذهبية.
جريمة بحاجة إلى كشف كامل ملابساتها
جريمة بحاجة إلى كشف كامل ملابساتها، لإنزال القصاص العادل بالجناة المنفذين والمخططين وأيضاً المقصرين!
إذا كان هناك تقصير في حماية قصر العدل في صيدا، ودفع الضريبة القضاة وبينهم من نجا لظروف إلهية ساهمت بإنقاذه، وفي طليعتهم النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي جميل بيرم، الذي كان من المُقرر أن يحضر جلسات يوم الثلاثاء، لأن المحامي العام القاضي بوضاهر كان يوم الاثنين مُصاباً بزكام شديد، لكنه آثر على نفسه الحضور، فسقط شهيداً.
وأيضاً القاضية حياة عاكوم التي كانت تهبط سلم الدرج من مكتب القاضي بيرم، باتجاه قاعة المحكمة للانضمام إلى هيئتها في إحدى الجلسات التي كان مُقرراً أن يترأسها القاضي شهاب بدلاً من القاضي عثمان - الذي كان قد أصدر القرار الظني فيها، خلال رئاسته الهيئة الاتهامية، ولا يُمكنه رئاسة محكمة الجنايات في تلك القضية - لكن هناك من أخرها بحديث، فتم البدء بجلسة مُحاكمة متهمين بتزوير وعملات هم: محمد فضل كايد، عقيل رجب علي ونجم عباس، قبل أن تنقلب الأمور في القاعة رأساً على عقب بإطلاق مسلحين النار من النافذتين الجنوبية الغربية والغربية الجنوبية باتجاه هيئة المحكمة، ما أدى إلى استشهاد القضاة: عثمان، بوضاهر، شهاب وهرموش، وإصابة كاتب المحكمة كميل رحال، المحامي سالم سليم، زهرة نجم، الرقيب أول علي عليان والعريف أكرم الأشقر، فيما نجا آخرون وبينهم من شاهد الجانيين اللذين كانا يرتديان جلبابين أبيضين وملتحيين، وتركا سلاحهما الحربي "كلاشينكوف" وصاروخ "لاو" تحت أحد الشبابيك، علماً بأنه قد جهز للاستخدام بعدما تم نزع واقي الأمان عنه، وفرا بعد القفز من فوق السور باتجاه الكورنيش البحري، وتواريا عن مسرح الجريمة مع من كان يُؤمن لهما التغطية.
وأيضاً قاضي التحقيق في الجنوب الدكتور علي إبراهيم (النائب العام المالي في لبنان حالياً)، الذي أطلق الجناة رشقات باتجاه مدخل مكتبه الغربي المُطل على الباحة الخلفية مع فتح الكاتب الباب.
أسئلة تُطرح
لكن الأسئلة التي تُطرح:
- لماذا التأخر باكتمال ملف التحقيق وانطلاق جلسات المحاكمة؟
- طالما كان هناك موقوفون من بين الشهود في السجون اللبنانية، لماذا أطلق سراحهم، وبينهم طحيبش الذي جرى لاحقاً توقيفه، بعدما كان قد أطلق سراحه بعد أن أمضى سنوات محكوميته في سجن رومية منذ توقيفه في 19 آب 2009، فماذا كان لو غادر البلاد، وهو الذي ما بين حصول الجريمة وتوقيفه قد غادر لبنان إلى تركيا قبل العودة؟
- الآن البحث جارٍ عن نصر أبو صيام، الذي أوقف في السجن المركزي في رومية لسنوات عدة بعد إصابته بجراح إثر سرقته بنك بيروت للتجارة في محلة الدامور (16 حزيران 1999)، وأخلي سبيله بعدما قضى محكوميته؟
- ماذا لو لم يتم توقيف أمير "داعش" في مخيم عين الحلوة عماد ياسين ياسين من قبل مخابرات الجيش اللبناني بعملية نوعية أمنية في تعمير عين الحلوة، ظهر يوم الخميس في 22 أيلول 2016، والاعترافات التي أدلى بها واستند إليها في الملف؟
- لماذا تأخر اصدار القرار الظني 18 عاماً - أي إلى أن أصدر القاضي العدلي في القضية بيار فرنسيس، القرار الظني يوم الأربعاء في 25 تشرين الأول 2017؟
وقد ادّعى القاضي فرنسيس في قراره الظني على 8 أشخاص بين إعطاء الأمر والتخطيط والتنفيذ، وقسّمهم إلى مجموعتين:
- الأولى: تضم 6 متهمين، هم: أحمد عبد الكريم السعدي الملقب بـ"أبو محجن"، محمود حسين مصطفى الملقب بـ"أبو عبيدة"، إبراهيم جمال لطفي، وسام حسين طحيبش، حسين محمد شاهين وجهاد عويدات السواركة الملقب بـ"أبو همام"، فطلب لهم الإعدام بمقتضى المواد 549 و549/201 عقوبات.
- الثانية: تضم المتهمين: محمد قاسم طاهر وفريد سطام ججو، وادّعى عليهما بمقتضى الجناية المنصوص عليها في المادة 408 عقوبات، التي تعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مَنْ أقدم على كتم معلومات أثناء شهادته خلال تحقيق جنائي.
من جهتها، كانت "عصبة الأنصار الإسلامية" قد أصدرت بياناً نفت فيه علاقتها بارتكاب هذه الجريمة.
وعقد المجلس العدلي أولى جلسات المحاكمة في قضية اغتيال القضاة الأربعة، يوم الجمعة في 23 آذار 2018 برئاسة القاضي جان فهد، وعضوية الرؤساء التمييزيين القضاة: جوزيف سماحة، ميشال طرزي، عفيف الحكيم وجمال الحجّار، وحضور ممثّلة النيابة العامة التمييزية القاضية إميلي ميرنا كلاّس.
موقوف وحيد
ومثل الموقوف الوحيد في القضية طحيبش من دون قيد بحضور وكيله القانوني المحامي ناجي ياغي، الذي طلب إخلاء سبيله، فيما توجّه الأخير إلى عائلات القضاة الحاضرين بالقول: "موضوع القضاة يهمّني كما يهمّ أهل القضاة وهم أهلي".
وأرجئت الجلسة مراراً، حيث عقدت جلسة المحاكمة يوم 16 أيار 2019، برئاسة القاضي جوزيف سماحة وعضوية المستشارين: ميشال طرزي، جمال الحجار، عفيف الحكيم ومايا ماجد، وحضور ممثلة النيابة العامة التمييزية القاضية إميلي ميرنا كلاس.
ومثل أمام الهيئة الموقوف طحيبش مخفوراً من دون قيد، في حضور الوكلاء القانونيين عن جهتي الادعاء والدفاع.
كما حضر المحامي مصطفى قبلان بوكالته عن المدعية "الدولة اللبنانية" مُمثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، وأبرز صورة عن المرسوم رقم 4678 تاريخ 3/5/2019 المُتعلق بتجديد وإعطاء حقوق وكالة للمحامين المعاونين لرئيس هيئة القضايا.
ونودي على الشاهدين نصر أبو صيام وعامر درويش، وتكراراً على المدعي سعيد شمس الدين الذي لم يحضر، وتبين أنه تبلغ أصولاً، فيما لم يبلغ أبو صيام الذي تبين أنه خرج من السجن المركزي في روميه بعد إنهاء مدة محكوميته.
كما تبين لهيئة المحكمة أنه تعذر إبلاغ درويش لوجوده في منطقة الطوارئ في مخيم عين الحلوة على ما ورد في محضر المباحث الجزائية المركزية، فطلبت ممثلة النيابة العامة الاكتفاء بتلاوة إفادات الشاهدين والمدعي.
وأصر المحامي ياسر عاصي بوكالته عن بهيجة أرملة القاضي الشهيد حسن عثمان على تكرار دعوة أبو صيام في حال وجود عنوان واضح له في ملف القضية، نظراً لأهمية إفادته، وأيد المحامي حمدان بوكالته عن سوزان قبرصلي أرملة القاضي الشهيد بوضاهر وغادة جنبلاط أرملة القاضي الشهيد وليد هرموش، تكرار دعوة أبو صيام.
وبنتيجة المداولات، قررت الهيئة:
1- تكرار دعوة نصر أبو صيام في حال وجود عنوان له في الملف أو في حال بيان عنوانه من قبل أحد الأفرقاء في هذه الدعوى.
2- وضع إفادة المدعي سعيد شمس الدين أمام المحقق العدلي، والتي أدلى بها بتاريخ 2/7/1999 موضع المناقشة العلنية، وقد تبين أنه اتخذ خلالها صفة الادعاء الشخصي، سارداً ما حصل معه يوم الجريمة.
3- وضع إفادتي عامر درويش أمام المحقق العدلي بتاريخ 28/11/1999 و1/12/1999 قيد المناقشة العلنية.
ومع عدم إبداء أي طرف سواء النيابة العامة التميزية أو وكلاء الادعاء والدفاع أي تعليق على الإفادات المذكورة، قررت الهيئة إرجاء الجلسة إلى 12 تموز المقبل للمرافعة.
تحل الذكرى الـ20 الأليمة والجميع ينتظر كشف الحقيقة كاملة، حتى لا يُغتال القضاة مرة جديدة بعدم إنزال العقاب بالمجرمين.