اعتكاف القضاة مستمر. تشخص الأنظار إلى الجمعية العمومية التي تُعقد اليوم لبتّ مصير الاعتكاف الذي لم تتوقف ردود الفعل المنقسمة بشأنه. بين معترض كونه يُجمِّد عمل المرفق القضائي، ومؤيدٍ يرى فيه الأمل الوحيد لتحقيق مطلب استقلالية القضاء. وانسحب الانقسام على قطاع المحامين، فبينهم من يشارك في الحملة التي تُشنّ على القضاة المعتكفين للرجوع عنه، وبين تجمع يضم نحو 250 محامياً ومحامية مناصرين أصدروا بياناً بعنوان: «لدعم استقلالية القضاء والمحاكمة العادلة في لبنان». ويعتقد هؤلاء أنّ الإصلاح لا يتحقق عبر بيانات التهديد ولا بانكفاء أي من المهن عن القيام بدورها.
القضاة انقسموا على أنفسهم حيال التعامل مع قضية الاعتكاف، إذ يرى المعترضون أنه يجب الاكتفاء بالموقف الذي سجل حتى الآن. أما الداعمون فيرون في التحرك فرصة حقيقية لنيل استقلالهم المالي والسياسي. ويترافق هذا الانقسام مع تحرك السلطات كافة في البلاد لوقف الاعتكاف. حتى إن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد طالب القضاة بـ«تحمّل مسؤولياتهم والعودة إلى العمل».
في جديد النقاش، لجوء قضاة مناهضين للاعتكاف الى طرح مجموعة تساؤلات حول «ارتباطات القيّمين على الاعتكاف». ويشير المعارضون للتحرك الى وجود «دور خفي لحزب القوات اللبنانية في تحرك «نادي القضاة» الداعي إلى الاعتكاف، وأن هناك علاقة أكثر من عادية تربط أعضاء من النادي بالنائبين جورج عدوان وجورج عقيص». ويلفت أحد القضاة المعارضين للتحرك الى ما حصل خلال العشاء السنوي الذي أقامته «ممثلة «القوات» إيليان فخري بحضور أعضاء من نادي قضاة لبنان، حيث التُقطت الصور مع النائب جورج عدوان لتُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي من دون تردد من القضاة»، متسائلاً: «أين هي الاستقلالية التي يتحدثون عنها، في الوقت الذي عُيّن معظمهم في مراكزهم بناء على توصيات سياسية؟». قاضٍ آخر قال لـ«الأخبار»: «ألا يحق لنا أن نسأل لماذا جورج عقيص وجورج عدوان هما الوجهان النيابيان الوحيدان للقضاة المعتكفين؟ لماذا تريد «القوات» أن تخوض هذه المعركة وحدها؟ هل يهتم القواتيون فعلاً باستقلالية القضاة؟». وبالطبع، يسرد المعارضون لعمل نادي القضاة مجموعة من الأخبار عن لجوء بعض القضاة المنتسبين إلى النادي، الى مراجع سياسية لطلب مناصب، وأن أحد أعضاء النادي أنزلت بحقه عقوبة من المجلس التأديبي بسبب الأخطاء الجسيمة التي عُثر عليها في قراراته. وأن لدى بعضهم حظوة سياسية وامتيازات.
في المقابل، لا يغيب عن بال قضاة من أعضاء النادي أنهم عرضة لحملة تخويف. ويتحدث هؤلاء عن «حملة هدفها إفشال هذا المشروع»، مستغربين «استنكار زملائهم هذه الصحوة المفاجئة للمطالبة باستقلالية القضاة، من دون أن يستنكروا هذا السكوت الذي عمره سنين». وعن الاتهام لهم بوجود دور خاص لفريق «القوات»، تقول مصادر «النادي»: «لقد دعونا الجميع لحضور ندوتنا، وحضر ممثلون عن معظم الأحزاب. وعندما تبنّت جهة مشروعنا، هل يجب أن نطلب منها الابتعاد عنا؟». وفي هذا السياق، يقول النائب عقيص لـ«الأخبار»: «أنا الوحيد الذي قلت إنّي أتحدّث باسم 15 نائباً نؤيد اقتراح قانون استقلالية السلطة القضائية»، موضحاً أن «القوات» تتبنى مشروع استقلالية القضاء، و«المنطق يقول بحق القضاة في التجمّع ضمن «نادي قضاة لبنان»». وقال: «من الخطأ القول إننا نقدم رعاية لـ«نادي قضاة لبنان»، والصواب أننا نتبنى مشروع استقلالية القضاء».
من جهته، قال قاضٍ من النادي لـ«الأخبار» إن «رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ضد الاعتكاف. ولو كنا محسوبين على جهات سياسية لكان تم استدعاء الجميع والطلب إليهم فِكّ الاعتكاف». ويستغرب هذا القاضي ما يتردد عن تعيينهم بحظوة سياسية، سائلاً: «لماذا لم يشن القضاة المناهضون لنا حملة علينا بأننا جئنا بتزكية سياسية عند تعييننا. لماذا عندما أسسنا هذا التجمع، قرر هؤلاء القضاة مهاجمتنا وعبّروا عن انزعاجهم منّا، وقبل ذلك لم يُحرِّكوا ساكناً؟ هذا لأن المرجعيات السياسية منزعجة منا كوننا نُريد بناء قضاء جيّد لأبنائنا». وأضاف: «انتُقدنا على دعوتنا النواب لحضور ندوة قضائية. لكن نجيب بأننا يجب أن نقابلهم لكونهم هم المشرّعين».
أما في ما يتعلّق بالتُّهم التي تُكال لقضاة في «نادي قضاة لبنان» بأنّ لهم مرجعيات سياسية، وتحديداً أنّه تردد أنّه عُيِّن بتزكية سياسية، يُجيب قاضٍ آخر عليها بالقول: «نحن في بلد طائفي من رأسه حتى أخمص قدميه. بحكم مركزي، أنا على علاقة مع كافة الأطراف، لكن أتحدّى أن يأتي أحد ويقول إني راعيت هذه الجهة أو تلك». يستعيد هذا القاضي حادثة تسمية زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط أحد القضاة لأحد المراكز خلال مقابلة تلفزيونية. وإذ يقول هذا القاضي إنّ القاضية منتمية إلى نادي القضاة، يؤكد أنّ «القاضية استنكرت تسمية الزعيم الدرزي لها، علماً بأنّها من القضاة المشهود بنزاهتهم».
معارضون يتهمون أعضاء النادي بالانحياز السياسي والسعي إلى مناصب
قاضٍ آخر من «النادي» انتقد موقع مجلس القضاء ودوره، قائلاً «إنه يرمي نفسه اليوم في أحضان السياسيين، فيما ملف مكافحة الفساد فُرمِل. وسبب الفرملة هو تدخل السلطة السياسية بقصد حماية قضاة مشتبه فيهم لكونهم تحوّلوا إلى خُدّام مُطيعين لهذه السلطة». وختم سائلاً: «ما هو البديل من نادي قضاة لبنان؟ هل هناك بديل يُعوّل عليه؟ لقد جرّبنا مجلس القضاء الأعلى لأكثر من 40 عاماً ولم ينجح في امتحان الاستقلالية. أعطونا فرصة لنُثبت العكس. قد لا ننجح، لكن يكفينا شرف التجربة».
من جهته، يقول المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، المحامي نزار صاغية، لـ«الأخبار»، إن «الاستفراد بالقاضي وعزله ومنعه من الكلام كانت الدافع وراء قيام نادي قضاة لبنان»، مشيراً إلى أنّ «القضاة بدأوا بخطوة ممتازة عندما عقدوا مؤتمرا صحافياً شرحوا للرأي العام المشاكل التي يواجهونها». وكشف صاغية أن النادي يتعرض لحرب من مجلس القضاء الأعلى ونقابتي المحامين، مؤكداً أن مجلس القضاء الأعلى حاول سحب العلم والخبر لجمعية القضاة أكثر من مرة، عبر وساطات مع وزيري الداخلية السابق والحالي. وإذ أمل صاغية أن «يستكمل نادي قضاة لبنان مسيرته»، ردّ على الاتهامات التي تُكال ضد نادي قضاة لبنان قائلاً: «يحكى أن بعض أعضاء النادي عليهم شبهة تسييس، هذا ممكن، ولا يمكن أن يكون النادي منزّهاً بالكامل عن وجود قضاة لهم ارتباطات سياسية، لكنّ الهيئة الإدارية، الغالبية منها معروفة باستقلاليتها ونزاهتها». ورأى أن التركيز يجب أن يكون على القرارات التي يتخذها القضاة الاثنا عشر في الجمعية التأسيسية للنادي، لافتاً الى أن القرارات غير مسيّسة وتبغي مصلحة القضاء في الدرجة الاولى. وختم صاغية بالقول: «نحن كمفكرة قانونية بدأنا منذ ١٢ سنة العمل لتكون جمعية كهذه موجودة، لكن الجمعية الموجودة اليوم تخطّت طموحاتنا».