ما أشبه الأمس باليوم، بين ما حدث في عرسال وجرودها، أثر إندلاع الأزمة السورية في العام 2011، يوم تحولت المنطقة الى قاعدة للإرهاب، بأوامر من بعض الدول الإقليمية، الشريكة في الحرب على سورية، في محاولةٍ فاشلة منها، لتطويق العاصمة دمشق، من جهة الغرب، كذلك إشغال المقاومة في الداخل اللبناني، لثنيها عن القتال في الجارة الاقرب، من خلال إستهداف التكفيريين، للقرى البقاعية المحيطة بعرسال، وسعيهم للسيطرة عليها، وما كان يحدث أيضاً في طرابلس في التاريخ المذكور أعلاه، يوم إنغمس الإرهابيون القادمون من خلف الحدود، في جولات الإشتباك الواحد والعشرين، بين أبناء طرابلس من باب التبانة، وجبل محسن، وبين ما حدث في الأيام القليلة الفائتة، يوم إستهدف الإرهابي عبد الرحمن المبسوط، عناصر الجيش، والقوى الأمنية في الفيحاء، عشية عيد الفطر، خصوصاً لناحية تعاطي تيار "المستقبل"، وحلفائه، مع هذه الحوادث الإليمة، ومحاولتهم الدائمة تجهيل الفاعل، والتعمية على المرتكبين وأفعالهم الإجرامية، وهذا ما أثبتته الوقائع والأحداث. فمن المؤكد أن إعلان وزير الدفاع الأسبق النائب فايز غصن وجود بؤر وأوكار لتنظيم القاعدة في لبنان، خصوصاً في عرسال، لايزال عالقاً في أذهان اللبنانيين، يومها قامت قيامة فريق "لبنان أولا"، على هذا الإعلان، وشن الفريق المذكور حملة شعواء على غصن، وصلت الى حد إتهامه، بأنه ينفذ تعليمات الإستخبارات السورية، في حينه.
ولم يكتف "ثوار الأرز" بذلك، بل نظموا الزيارات الى عرسال، لتأمين الغطاء السياسي لوجود البؤرة الإرهابية فيها، ولرئيس بلديتها السابق علي الحجيري، المتهم بالإسهام، بتوفير ملاذٍ للإرهابيين، في نطاق "جمهوريته"، كما كان يصفها، كل ذلك كان تنفيذاً لإملاءات راعيه الإقليمي، الذي كان يحلم بإسقاط "الشام". ولكن لم ترتق تلك الممارسات، والسياسة الرعناء الى مستوى الحلم، بل بقيت مجرد أوهام، لكنها حملت معها المآسي، التي حلت بلبنان، وجيشه، وقواه الأمنية، دفع ثمنها خيرة ضباطه وجنوده، بعد إستشهاد النقيب بيار بشعلاني، ثم العقيد نور الدين الجمل، وبعض جنودهم في عرسال، بالإضافة الى إختطاف العسكريين، وقتلهم، وترويع الأهالي في البقاع الشمالي، ورغم حلول كل تلك المآسي بلبنان وشعبه ومؤسساته العسكرية والأمنية، لايزال فريق "المستقبل" على غيه، وكأن جولات إشتباكات طرابلس الدامية، لم تنته فصولها بعد، وأن مهمته بالتعمية على الإرهابيين، لاتزال مطلوبة منه، بدليل التصريحات المتسرعة، لكل من وزيرة الداخلية ريا الحسن، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، حول العملية الإرهابية الأخيرة في طرابلس، بإن منفذها، يعاني من إضطرابات نفسية.
فقد غاب عن الحسن وعثمان، أن المبسوط إعتقله حزب الله في العام 2016 في خراج عرسال، يوم كان في يقاتل صفوف المجموعات التكفيرية هناك، ثم قبع في سجن رومية ليخلى سبيله في العام 2017، ولم يذكر أنه كان في أحدى مشافي الأمراض النفسية والعقلية. ولاريب أن هذا الأسلوب المتبع من القيمين على الأمن في البلد، يدفع الى السؤال، هل يتم في الكواليس، تحضيرات لأعمال أمنية، تستهدف حزب الله مجدداً، بعد شبه إنحسار الأزمة السورية، خصوصاً أن طريقة إطلاق المبسوط من سجنه، مماثلة لإطلاق السجناء من الدول العربية، مقابل إنخراطهم بالحرب على سورية، بحسب ما كشفت بعض الوثائق السرية، التي تداولتها وسائل الإعلام، في مرحلة لاحقة من صدورها؟