دعا النائب السابق المحامي غسان مخيبر الحكومة الى احالة حسابات الإدارة النهائية المنجزة عن كامل السنوات السابقة الى مجلس النواب ليصار الى مناقشتها وفق الأصول المحددة في الدستور، دون انتظار رقابة ديوان المحاسبة. وقد نشر نص مذكرة قانوية في موضوع تطبيق المادة 87 من الدستور وخلاصتها ان عدم إحالة مشاريع قوانين قطع الحسابات الى مجلس النواب ومناقشتها واقرارها يشكل مخالفة للدستور، بمعزل عن رقابة ديوان المحاسبة عليها، على أهمية هذه الرقابة.
وقد ورد فيها تفصيل للعناوين التالية:
اولا: ان حسابات الادارة المالية النهائية لكل سنة أساسية في عملية الرقابة على تنفيذ الموازنة، ولا تقتصر على قطع حساب الموازنة؛ يجب تطوير نظام قانوني واضح يحدد الحسابات التي يفترض ان تعرض على مجلس النواب.
ثانيا: مجلس الوزراء يجب أن يحيل حسابات الإدارة المالية النهائية الى مجلس النواب بموجب مشروع قانون قطع الحساب، وذلك بمعزل عن مصير تدقيقها لدى ديوان المحاسبة.
ثالثا: ديوان المحاسبة يلعب دورا اساسيا في الرقابة المستقلة والخارجية اللاحقة على تنفيذ الموازنات العامة، معاونا بذلك السلطات الدستورية في تنفيذ هذه الرقابة، لا سيما مجلس النواب. لكن عدم اجرائه هذه الرقابة لأي سبب من الأسباب، لا يعطل الأصول الدستورية لمناقشة وإقرار الموازنة العامة وقطع الحساب المحصورة بين الحكومة ومجلس النواب.
رابعا: مجلس النواب يجب أن يصر على استلام الحسابات العائدة لجميع السنوات السابقة التي انتهت وزارة المالية من وضعها دون انتظار ديوان المحاسبة، مع الطلب من هذا الأخير الإسراع في الرقابة اللاحقة التي يجريها عليها واحالة تقاريره تباعا حين إنجازها، ليبنى على الشيئ مقتضاه. وكذلك على مجلس النواب الإسراع في تعديل قانوني المحاسبة العمومية وتنظيم ديوان المحاسبة من أجل تطوير قدرات هذا الأخير في اجراء الرقابة اللاحقة الفعالة على تنفيذ الموازنة.
مذكرة في تنفيذ المادة 87 من الدستور:
ان عدم إحالة مشاريع قوانين قطع الحسابات الى مجلس النواب ومناقشتها واقرارها
يشكل مخالفة للدستور، بمعزل عن رقابة ديوان المحاسبة عليها، على أهمية هذه الرقابة.
يثير تطبيق المادة 87 من الدستور اشكاليات عديدة، بسبب الربط الذي تقيمه بين اقرار الموازنة والموافقة على "حسابات الادارة المالية النهائية لكل سنة" التي يجب ان تعرض على مجلس النواب ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة.
كما يثير تطبيق هذه المادة الدستورية مسائل اخرى ترتبط بالدور الذي يضطلع به ديوان المحاسبة في هذه العملية بحيث نصت، وبشكل مبهم، بأنه: "سيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات".
سوف نوضح في ما يلي، وبشكل مختصر، خلاصة رأينا بالنسبة لكيفية وجوب تطبيق هذه المادة الدستورية ودور كل من السلطتين الإجرائية والتشريعية وديوان المحاسبة، سيما وأن كل من تلك السلطتين الدستوريتين والهيئة الرقابية العليا يتحمل جزءا من المخالفات الدستورية المتمادية، ويساهموا أيضا في انجاح الحلول، اذا ما تمكن كل منهم من تأدية كل ما أوجبه الدستور والقانون عليهم من أعمال ضمن الأصول والشروط والمهل المحددة.
اولا : ان حسابات الادارة المالية النهائية أساسية في عملية الرقابة على تنفيذ الموازنة، ولا تقتصر على قطع حساب الموازنة؛ يجب تطوير نظام قانوني واضح يحدد الحسابات التي يفترض ان تعرض على مجلس النواب.
تكتسب الحسابات المالية النهائية للإدارة أهمية بالغة على صعيد تأمين شفافية وصدقية المالية العامة في لبنان، لأنها تبين، حسابيا، مدى تقيد الحكومة بقانون الموازنة، أي تقيد الإدارة بشروط واصول إجازة الجباية والإنفاق الممنوحتين لها سنويا من قبل مجلس النواب. وهي تسمح لكل من مجلسي الوزراء والنواب تحديد المرتقب من المداخيل والمصاريف في الموازنة على ضوء التجربة السابقة، والرقابة عليها بشكل فعال.
بالرغم من هذه الأهمية، لم يعر القانون، ولم تعر السلطات المختلفة هذه الحسابات ومناقشتها الاهتمام الواجب، عن حسن او سوء نية، ما أدى الى ممارسات سيئة في إدارة المالية العامة في لبنان، والى مخالفات متمادية للمادة 87 من الدستور.
أما بالنسبة الى ما يعنيه الدستور من "حسابات الإدارة المالية النهائية"، فهو لا يقتصر على حساب قطع الموازنة التي درجت الممارسة، متى حصلت، على احالته دون سواه من الحسابات الى رقابة مجلس النواب. بالواقع، يميز قانون المحاسبة العمومية بين نوعين من الحسابات هما حساب القطع وحساب المهمة العام، وهما حسابان متداخلان ومترابطان ومتلازمان لإجراء الرقابة اللاحقة على تنفيذ الموازنة. وقد نص التصميم العام لحسابات الدولة والمؤسسات العامة والبلديات (الصادر بالمرسوم رقم 10388 بتاريخ 9 حزيران 1997) على توحيد الحسابين بحساب واحد هو "الحساب العام للدولة الذي يتضمن وفقا للمادة 34 من هذا المرسوم عدد من البيانات، كما نص على ان "يصدق على الحسابات بموجب قانون قطع الحساب الذي يبت نهائيا بالنتيجة التي اقترن بها تنفيذ موازنة الدولة" وفقا للمادة 35 من المرسوم ذاته.
في خلاصة هذا القسم من هذه المذكرة، لا بد لنا من اثارة وجوب تطوير نظام قانوني واضح يحدد الحسابات التي يفترض ان تعرض على مجلس النواب.
لم تنجز وزارة المالية الحسابات المتوجبة قانونا لسنوات طويلة، واستحال بالتالي انجاز رقابة ديوان المحاسبة عليها، وعلى محتسبي المالية، وكذلك استحالت رقابة مجلس النواب عليها، ما أدى الى مخالفات دستورية متمادية. أما اليوم، فيسجل لوزارة المالية حسن الإنجاز، بتاريخ 5 اذار 2019، لحسابات المهمة وقطع الحسابات العائدة للأعوام 1997 الى 2017 (وباستثناء سنوات 1993 الى 1996 التي استحال انجاز الحسابات العائدة لها). وقد احيلت هذه الحسابات الى ديوان المحاسبة لإجراء الرقابة عليها بحسب الأصول. لكن مجلس الوزراء لم يحل بعد الى مجلس النواب، أي مرسوم بمشروع قانون قطع الحساب لأية سنة من السنوات السابقة المنجزة.
ثانيا : مجلس الوزراء يجب أن يحيل حسابات الإدارة المالية النهائية الى مجلس النواب بموجب مشروع قانون قطع الحساب، وذلك بمعزل عن مصير تدقيقها لدى ديوان المحاسبة.
لم تنص المادة 87 من الدستور ولا قانون المحاسبة العمومية او اي قانون آخر عن اصول ومهل تقديم هذا المشروع. لكن الممارسة السابقة في لبنان، وفي القانون المقارن، توجب احالته بالتزامن مع مشروع الموازنة العامة لكل سنة، سيما وأن ارقام هذه الحسابات المالية النهائية يفترض ان تشكل القاعدة التي تبنى عليها ارقام الموازنة التي يفترض أن تقيم وتراقب على اساسها.
كذلك لا يشترط الدستور ولا قانون المحاسبة العمومية او قانون تنظيم ديوان المحاسبة على اي موجب لأن يرفق بمشروع قانون قطع الحساب أي تقرير منظم من ديوان المحاسبة؛ وان كان ارفاق تقرير الديوان بمشروع قانون قطع الحسابات من الممارسات الحميدة التي نصت عليها قوانين مشابهة في القانون المقارن. لكن عدم وجود هذه التقارير في القانون اللبناني لا يعيب بأي شكل من الاشكال مشروع قانون قطع الحساب ولا يتعلق موجب ارساله الى مجلس النواب على شرط انجاز تدقيق الحسابات من قبل ديوان المحاسبة وذلك لانتفاء النص الدستوري او القانوني الملزم ولانّ الرقابة الأساسية على تنفيذ الموازنة هي في الأصل من اختصاص مجلس النواب الذي له الكلمة الفصل في الموضوع، في حين أن الدور الرقابي للديوان يمارسه بوصفه هيئة رقابية عليا وقد لحظه المشرّع هو نفسه من اجل ان يسانده ويعاونه الديوان في تحليل الحسابات.
وقد حصل في السابق، لا سيما منذ العام 1980، ممارسات ومخالفات دستورية عديدة شاذة في لبنان، بحيث انه، إضافة الى غياب الموازنات منذ العام 2005 وحتى 2016، لم تحل الحكومات الى مجلس النواب مشاريع قانون قطع الحسابات او ان هذه الشاريع متى وردت، نوقشت بغياب تقارير ديوان المحاسبة.
وبالتالي، يكون تقصيراوتمنّع مجلس الوزراء اليوم في ارسال مشروع قانون قطع الحسابات للسنوات السابقة، سيما وأن وزارة المالية أنجزت الحسابات المطلوبة، مخالفة دستورية بذاتها لأن وضع هذه الحسابات من مسؤولية وزارة المالية، وإحالة مشروع قانون قطع الخسابات من مسؤولية مجلس الوزراء.
ولا يمكن ان يتحجج، احد للإفلات من هذا الموجب، بأن مراجعتها لم تنته من ديوان المحاسبة او ان هذا الأخير لم يضع تقريرا بشأنها، كما ان درس مجلس النواب لمشروع قانون قطع الحساب المتضمن للحسابات المالية ليس مشروطا بموافقة ديوان المحاسبة على صحة هذه الحسابات واصدار بيانات المطابقة بشأنها. لان ذلك غير منصوص عليه أساسا"، فضلا عن ضرورة اعمال مبدأ فصل السلطات والمبدأ القائل بأن البرلمان سيد نفسه.
ثالثا : ديوان المحاسبة يلعب دورا اساسيا في الرقابة المستقلة والخارجية اللاحقة على تنفيذ الموازنات العامة، معاونا بذلك السلطات الدستورية في تنفيذ هذه الرقابة، لا سيما مجلس النواب. لكن عدم اجرائه هذه الرقابة لأي سبب من الأسباب، لا يعطل الأصول الدستورية لمناقشة وإقرار الموازنة العامة وقطع الحساب المحصورة بين الحكومة ومجلس النواب.
لقد نصت المادة 87 من الدستور، بصيغة فيها شيء من الغموض على انه "سيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات".
تأخر صدور هذا القانون حتى العام 1951، وقد باشر الديوان عمله في السنة التالية. فتكون المالية العامة للبنان انتظمت طوال ربع قرن دون ان تلعب هذه المؤسسة اي دور.
عند صدور قانون المحاسبة العمومية وقانون تنظيم ديوان المحاسبة، لم يتضمن هذان القانونان اية اصول واضحة في عملية الرقابة اللاحقة للديوان على تنفيذ الموازنة في عملية مناقشة وإقرار قانون قطع الحساب. أما الأحكام التفصيلية، فاقتصرت على رقابة الديوان القضائية على حسابات مهمة محتسبي المالية، عبر ابراء ذمتهم أو اشغالها. والديوان نفسه يردد في تقاريره السنوية أن الغاية الاساسية من الرقابة على الحسابات محددة في المادة 56 من قانون تنظيم الديوان وهي البت في صحة حسابات المحتسبين واي شخص يتدخل في قبض الأموال العمومية والأموال المودعة في الخزينة او في دفعها دون ان تكون له الصفة القانونية.
نصت المادة 195 من قانون المحاسبة العمومية على علاقة وزارة المالية بديوان المحاسبة لجهة وجوب واصول تقديم قطع حساب الموازنة الى الديوان قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة وحساب المهمة العام الذي يجب تقديمه الى ديوان المحاسبة قبل أول أيلول من السنة التي تلي سنة الحساب.
أما قانون تنظيم ديوان المحاسبة، فلم يشر بشكل صريح الى اي دور خاص له في الرقابة على تنفيذ الموازنة، فتستفاد هذه الوظيفة (دون ان تلحظ صراحة) من صلاحيات عامة وردت في نصوص عامة تفتقر الى الدقة والوضوح، في حين انّ الاجتهاد والفقه مستقران على ضرورة ان تأتي نصوص تحديد الصلاحيات واضحة ودقيقة لما لذلك من أهمية على الانتظام القانوني:
- المادة 30، تحدد الوظيفة الادارية التي يمارسها الديوان بتقارير ينظمها عن تاريخ رقابته المسبقة والمؤخرة وبابداء الرأي في الامور المالية.
- المادة 52، تحدد صلاحية الديوان بوضع تقارير خاصة بمواضيع معينة واقتراحات ملائمة لها كلما رأى لزوما، ترفع الى رئيس الجمهورية او الى رئيس مجلس الوزراء او الادارات العامة والهيئات المعنية.
- المادة 51، تحدد اطار التعاون بين الديوان ولجنة المال والموازنة البرلمانية وسائر اللجان المختصة بحيث تستمع هذه الاخيرة الى رئيس الديوان او من ينتدبه عند درس التقرير لابداء الايضاحات اللازمة.
- المادة 53، يصدر الديوان كل سنة بيانا بمطابقة كل من الحسابات التي تقدم اليه مدعومة بالاوراق المثبتة المنصوص عليها في القوانين والانظمة.
- المادة 54، تحدد أنه تبلغ بيانات المطابقة الى رئيس مجلس الوزراء لتوزع على اعضاء المجلس، والى وزير المالية اذا كانت عائدة لحسابات الموازنة العامة والموازنات الملحقة ولسائر الموازنات الخاضعة لتصديق السلطة التشريعية، وتطبق عليها احكام المادة 51 من هذا المرسوم الاشتراعي، والى وزير المالية ووزير الوصاية والهيئات المعنية والمرجع المختص بالتصديق على قطع حساب الموازنة لديها، اذا كانت عائدة لحسابات الموازنات الخاضعة لتصديق مرجع غير السلطة التشريعية.
رابعا: مجلس النواب يجب أن يصر على استلام الحسابات العائدة لجميع السنوات السابقة التي انتهت وزارة المالية من وضعها دون انتظار ديوان المحاسبة، مع الطلب من هذا الأخير الإسراع في الرقابة اللاحقة التي يجريها عليها واحالة تقاريره تباعا حين إنجازها، ليبنى على الشيئ مقتضاه. وكذلك على مجلس النواب الإسراع في تعديل قانوني المحاسبة العمومية وتنظيم ديوان المحاسبة من أجل تطوير قدرات هذا الأخير في اجراء الرقابة اللاحقة الفعالة على تنفيذ الموازنة
بالإضافة الى المادة الدستورية، نصت المادة 118 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن "يصدق المجلس أولا على قانون قطع الحساب، ثم على موازنة النفقات ثم قانون الموازنة وفي النهاية على موازنة الواردات. ذلك ما يوجب، بالتالي، اعتماد هذا الترتيب في المناقشة أمام الهيئة العامة للمجلس وفي لجنة المال والموازنة.
وضع مجلس النواب لسنوات طويلة في موقف دستوري حرج للغاية، بسبب اخفاق او تمنع الإدرات المعنية من انجاز حسابات الإدارة النهائية واحالتها اليه مع تقرير ديوان المحاسبة ضمن المهل الدستورية ليجري الرقابة عليها. ولكن تلك الحالة الشاذة لا يجب ان تحول دون إقرار الموازنة العامة لما لذلك من افادة لصالح المالية العامة للدولة كما ولصالح المواطنين من خلال تأمين استمرارية المرافق العامة الذي يتطلب دون أدنى شك الاستمرار في الجباية والانفاق.
وقد أصدر المجلس الدستوري قرارا في هذا الموضوع (رقم 2/2018 تاريخ 14/5/2018، أكد فيه على ما يلي:
وبما أن إقرار الموازنة بدون قطع حساب يبطل دور وصلاحيات ومسؤوليات السلطة الاشتراعية وديوان المحاسبة، ويعطل بالتالي الرقابة المالية المناطة بموجب الدستور بالسلطتين الاشتراعية والقضائية، وينتهك مبدأ الفصل بين السلطات، ويحول السلطة الاشتراعية الى أداة بيد السلطة التنفيذية، فتصبح عاجزة عن ممارسة رقابة جدية عليها،
وبما أن غياب قطع الحساب يؤدي الى غياب الشفافية في جباية المال العام وإنفاقه، وبالتالي التشكيك في صدقية الموازنة العامة وتنفيذها، كما يؤدي الى فتح الباب واسعا أمام تفشي الفساد،
وبما أن الحكومات المتعاقبة تقاعست عن وضع قطع حساب سنوي وفق الأصول ووفق ما نص عليه الدستور، وذلك منذ العام 2006، وتقاعست عن وضع موازنات عامة سنوية وفقا لما نصت عليه المواد 83 و84 و85 و 86 و 87 من الدستور منذ ذلك التاريخ أيضا، كما تقاعس مجلس النواب عن القيام بدوره الأساسي في مراقبة الحكومة والزامها بوضع قطع حساب سنوي واعداد موازنة عامة سنوية، وتخلى بالتالي هو والحكومة عن القيام بالصلاحيات التي أناطها بهما الدستور، ما خلق حالة شاذة، والحق ضررا فادحا بالمصلحة الوطنية العليا،
وبما أن قطع الحساب اعتمد من أجل تحديد الخلل في تنفيذ موازنة سابقة والاسترشاد به لوضع موازنة السنة قادمة، وبالتالي اعتمد وضع الحساب من أجل الموازنة ولم تعتمد الموازنة من أجل قطع الحساب، الكل هذه الأسباب ونظرا للأهمية الاستثنائية التي أولاها الدستور للموازنة العامة لا يجوز للحالة الشاذة المتمثلة في غياب قطع الحساب لسنوات عدة، أن تحول دون إقرار الموازنة العامة للعام 2018، على أن يجري سريعا ودون تباطؤ الخروج من الحالة الشاذة هذه ووضع قطع حساب وفق القواعد التي نص عليها الدستور وقانون المحاسبة العمومية، لعودة المالية العامة الى الانتظام، ووضع حد لتسيب المال العام، وضبط الواردات والنفقات وتقليص العجز في الموازنة العامة، وممارسة رقابة فاعلة على تنفيذ الموازنة".
وبنتيجة هذا الواقع، حيث كان مجلس النواب يقع بين مطرقة الدستور وسندان تقصير الإدارات المختصة، اضطر مرات عديدة في السابق للتعامل معها وفق مقاربتين واقعيتين كان أحلاهما مرا:
الأولى، لا سيما في موازنة العام 2018، اضطر مجلس النواب للتصديق على الموازنة دون قانون قطع الحساب الذي لم يرده أصلا، مع تسجيل تعهد الحكومة بتقديم الحسابات وفق ما نص عليه الدستور ضمن مهلة انتهت وآن الأوان للالتزام بها. فان كانت ظروف استثنائية قاهرة بررت حينها استحالة ارسال قانون قطع الحساب، فلا شيء يبرر ذلك الآن وقد أنجزت وزارة المالية حسابات الإدارة النهائية.
الثانية، لا سيما منذ العام 1993 ولغاية العام 2003 ضمنا، صدق على قوانين قطع الحسابات بغياب تقارير ديوان المحاسبة، فتحفظ لهذه الناحية، وجعل موافقته مشروطة بما يراه ديوان المحاسبة لاحقا من تصحيح بنتيجة تدقيقه. وان بدت هذه الموافقة المشروطة أفضل الممكن لتحاشي المخالفة الفجة للدستور وحفظ حق مجلس النواب بإجراء الرقابة ولو متأخرا، فان ذلك لم يحصل البتة لأن تقارير ديوان المحاسبة عن قوانين قطع الحساب لم ترده بشكل أصولي (بعض من الملاحظات تضمنتها التقارير السنوية) ولم يعد مجلس النواب مرة لمناقشة موافقاته المشروطة لا مع الحكومة أو ديوان المحاسبة.
في جميع الأحوال، يجب الاتعاظ من الممارسات السابقة والعمل على التأكد من عدم تكرارها، لا على المستوى السياسي وحسب، انما أيضا على مستوى التطوير الإداري والتشريعي، لا سيما عن طريق ملء الشغور في ملاك ديوان المحاسبة، والعمل على تعديل قانوني المحاسبة العمومية وتنظيم ديوان المحاسبة من أجل تطوير صلاحيات وقدرات هذا الأخير في اجراء الرقابة اللاحقة الفعالة على تنفيذ الموازنة".