أحد الشعارات الذي كان محبَّبًا إلى قلب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو هذا الشعار: "البلد ماشي والشغل ماشي والحكي ماشي... ولا يهمَّك"...
إنطلق هذا الشعار من كون البلد كان يضج بالحركة والشغل وبالإنتقادات أيضًا.
اليوم يصعب تطبيق هذا الشعار باستثناء جزء بسيط منه، "فالبلد مش ماشي والشغل مش ماشي... فقط الحكي ماشي، لكن ليس صحيحًا "ولا يهمَّك" بل إن هذا الشلل يهم الناس وإنْ كان لا يهم السياسيين.
***
كيف يكون البلد ماشيًا حين دخلنا في الشهر السادس من السنة فيما الموازنة العامة لهذه السنة لم تُنجَز بعد؟
كيف يكون البلد ماشيًا حين تكون التسوية الرئاسية التي انتجت انتخابات رئاسية قد بدأت تهتز؟
كيف يكون البلد ماشيًا والأفق السياسي يؤشر إلى الإنشغال "بالعهد المقبل" ومَن سيكون "سيد العهد" فيما العهد الحالي لم يبلغ منتصف الولاية بعد؟
كيف يكون البلد ماشيًا فيما لا يُعرَف متى ستبدأ أموال "سيدر" بالوصول؟
***
وأكثر ما يدل على ان "البلد مش ماشي"، "البحصة التي بقَّها" رئيس الحكومة العائد من إجازته في المملكة العربية السعودية وفرنسا:
أقرَّ الرئيس الحريري بأن هناك "غضبًا سنيًا" وبأن هذا الغضب الذي حكي عنه في الوسط السني، "لا نستطيع ان نغطي عليه ونعتبره غير موجود، هذا غضب حقيقي، ناتج عن سلوك وممارسات ومواقف سياسية من شركاء اساسيين".
طبعًا هنا يقصد الوزير جبران باسيل الذي تحدّث في بلدة "تل ذنوب" البقاعية، في أثناء جولة له في المنطقة والتي قال فيها كلامًا عن المارونية السياسية وعن السنية السياسية وبانه يريد ان يحيي المارونية السياسية التي أخذت مكانها السنية السياسية.
على رغم نفي هذا الكلام فإن التقارير التي دققت فيه أثبتت انه صحيح، ورحَّب الرئيس الحريري بأن الوزير باسيل تراجع عنه واعتذر عن صدوره. لكن النار بقيت تحت رماد طاولة مجلس الوزراء الذي لن ينعقد هذا الأسبوع، ربما افساحًا في المجال أمام تبريد الاجواء أكثر فأكثر.
***
"بحصة" ثانية بقَّها الرئيس الحريري وتتعلق بملفات قضائية، وكيف ان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس قد "انقلب" على دوره في المحكمة فتحوَّل من مدعٍ عام إلى محامي دفاع. مُقرًّا بأن هناك تدخلًا في القضاء.
***
"البحصة" الثالثة التي بقها الرئيس الحريري هي إستغرابه كيف ان أحزابًا وتيارات وافقت على مشروع قانون الموازنة على طاولة مجلس الوزراء ثم تنقلب على موافقتها، في مجلس النواب.
***
ولكن على رغم هذه "البحصات" فإن "نَفَس" الرئيس الحريري في المؤتمر الصحافي لم يكن "نفسًا" تصعيديًا بل نفسٌ استيعابي، فهو يعرف أن إستقالته تزيد الوضع العام سوءاً وضياعاً، وهي غير ممكنة لأنها تعني سقوط التسوية الرئاسية والدخول في المجهول وفي الفوضى، فالحكومة الحالية على رغم انها انبثقت من زخم الانتخابات النيابية إلا أنها استلزمت تسعة أشهر لتتشكّل، فهل يحتمل البلد تسعة أشهر إضافية لتشكيل حكومة جديدة؟ ومَن يقول ان بالإمكان تشكيلها؟ وحتى لو تشكّلت هل يمكن ان تتألف من غير موازين القوى النيابية الحالية؟
تأسيسًا على كل ما تقدّم فإن الاستقالة غير ممكنة وأن المتاح هو ترميم التسوية الرئاسية بما يعني خفض سقوف التصعيد لأن هناك ملفات ملحة لا يمكن السهو عنها أو التفريط بها.
حتى الرئيس الحريري ألمح إلى ذلك من خلال قولِهِ إن "بديل التسوية هو الذهاب إلى المجهول".
***
آه وألف آه جفّ حبر هذا القلم ونحن نكتب عن معاناة الناس من هدر الفُرص وضياع الوقت وتوقف الأعمال في كافة القطاعات "وكثرة الحكيّ"، وعدم الجدية في معالجة الموازنة من جهة قانون الأثراء غير المشروع، فلا عتب، فعندما يكون المسؤولون سوياً شركاء نحن الناس أين نكون؟
وعندما يختلفون مع بعضهم البعض "نكون في دائرة النسيان"؟