جملة واحدة بسيطة كانت كفيلة بإحداث موجة من التعليقات الايجابيّة والتقدير الكبير من قبل اللبنانيين، في خضم بحر من المشاكل والصعوبات الاقتصاديّة والامنية. الجملة كانت لوزيرة الداخلية ريا الحسن التي زفّت بشرى الى اللبنانيين بأنه سيكون بمقدورهم الحصول على اخراج قيد من ايّ منطقة بعد 3 اشهر. بتعبير آخر، لم يعد ايّ لبناني يقطن في بيروت او وسط لبنان، ومسجّل في نفوس الجنوب او الشمال او البقاع او غيرها من المناطق البعيدة، مضطرا -بعد ثلاثة اشهر- ان يتكبّد عناء الانتقال الى مكان قيده لانجاز المعاملة او ان يدفع اموالاً اضافيّة لانجاز اخراج القيد عبر مكاتب البريد او الشركات المتعاقدة مع الوزارة.
هذا الامر يعتبر دون شك، خطوة متقدّمة ومهمّة، ولو انها تبدو بالنسبة الى اللبناني الذي يواكب كل ما تقدمه التكنولوجيا، امراً كان يجب حدوثه منذ زمن بعيد، ولكنها بصيص امل في ترقب انتقال الحكومة اللبنانية، وبالاخص وزارة الداخلية، الى عصر المكننة. ولكن هذه الخطوة بدت وكأنها ناقصة لسببين اساسيين: الاول ان الموازنة التي يدرسها مجلس النواب حالياً تلحظ تخفيضاً للاموال المطلوبة للمديريّة العامة للاحوال الشخصية، وهو ما يتعارض مع كل حديث عن مكننة وتحديث المديريّة لجعلها تواكب التطور، وبالتالي تضع هذه الحماسة في موضع الخطر. اما السبب الثاني فيكمن في انه وسط اجواء الترحيب والضجّة التي اثارها اعلان الحسن، بقيت المديريّة ملتزمة الصمت، لا بل لم يتمكّن احد من الحصول على تعليق او تصريح او معلومة حول هذا المشروع الواعد، رغم ان الفترة التي حدّدتها الوزيرة لا تتخطى الثلاثة اشهر، اي انّ الوقت يمر بسرعة ويجب ان يتم العمل بوتيرة عالية لاتّخاذ التدابير اللازمة لانجاز هذا المشروع، ان لم نقل بوجوب الشروع بوضع الاسس اللازمة لتحقيق الهدف المنشود قبل فترة من الاعلان عن البشرى الايحابيّة.
ولكن، وللانصاف، فإنه عندما يتعلّق الامر بالمديرية العامة للاحوال الشخصيّة تصبح الامور اكثر مدعاة للارتياح بفضل الخطوات التي قام بها المدير العام لهذه المديريّة العميد الياس الخوري منذ تعيينه وحتى اليوم، ان من حيث الفاعليّة في انجاز المعاملات، او من حيث اعادة الاعتبار الى كرامة المرأة والطفل في القرارات التي اتّخذها. ولكن، آخذين في الاعتبار هذه الانجازات، وازاء الصمت الصادر عن المدير والمديريّة في هذا الموضوع، فنحن امام حلّين لا ثالث لهما: اما انّ العمل كان يجري بصمت ودون ضجّة اعلاميّة بحيث يتم توفير الكلام الى حين الانتهاء كلياً من التحضيرات، واما انهما يعملان على تذليل عقبات اساسيّة تحول دون ابصار المشروع النور في الوقت المحدد، لانّ في ذلك فشل، ليس فقط للوزيرة التي اعلنت عن الموضوع، بل للعميد الخوري شخصياً كونه المعني مباشرة بهذا الملف، خصوصاً وانه كان اعلن في اكثر من مناسبة عن مشاريع وخطط يحضّر لها ولكنه لا يتحدث عنها الا بعد انجازها، لانّ الوقت الذي يستغرقه الكلام عن المشروع سيكون بديلاً عن العمل الجدّي والدؤوب الذي يحتاج اليه أي موضوع او ملفّ للوصول به الى خواتيمه السعيدة.
وعليه، فإن من الصعوبة انجاز مثل هذه الامور البسيطة في بلد مثل لبنان، قبل البدء بخطوات تنفيذيّة لاقامة الحكومة الالكترونيّة او على الاقل بمشروع مكننة لوزارة الداخليّة، يسمح بربط معاملات المواطنين ويوفّر العديد من المشاكل والمتاعب للمواطن (من حيث التنقل، او من حيث الاخطاء الواردة في الاسماء او ارقام السجلّ او غيرها...)، كما للدوائر المعنيّة في الوزارة التي سيصبح من الاسهل عليها متابعة شكوى او معاملة. الا ان التحديات تفرض المزيد من المسؤوليّة على عاتق المعنيين، وفي هذه الحالة على عاتق المديريّة العامة للاحوال الشخصية، التي يبقى عليها رفع هذا التحدي في الوقت المحدّد، ليستمر مسلسل نجاحها وكي تفي الوزيرة بكلامها.