في أقل من شهر واحد اهتزت مياه الخليج على وقع سلسلة انفجارات مجهولة طالت عدداً من ناقلات النفط العملاقة ما أعادنا بالذاكرة إلى ما عرف بحرب ناقلات النفط، الأمر الذي جعل أمن ممرات الملاحة النفطية عرضة للتوتر وتبادل الرسائل الأمنية بين الدول المتصارعة وذلك لصرفها برصيد مراكز القوى، فبعد حادثة تفجير ميناء الفجيرة حدث يوم الخميس الماضي تفجير ملتبس في خليج عُمان طال ناقلتي نفط، نروجية ويابانية، الأمر الذي استنفر مجلس الأمن للاجتماع والتباحث بإمكانية تدويل وضع الملاحة في مياه الخليج.
البعض يعزو التوتّر في منطقة الخليج، إلى ممارسات الولايات المتحدة الأميركية التي تريد تطويع إيران بتشجيع من إسرائيل وبعض الأنظمة العربية.
وفي ظل احتدام الصراع بين دول المنطقة وبعض مراكز القرار لا يبدو أن التوتّر قد يعرف طريق التراجع، بيد أن كل المؤشرات تقودنا إلى احتمال تزايده وربما بلوغه حد الانفجار المحدود والمضبوط.
فالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل ودول الخليج جميعهم سارعوا إلى اتهام إيران بأنها تقف وراء استهداف ناقلتي النفط، مستندين إلى سيناريوهات باتت مكشوفة وممجوجة مطابقة لسيناريو امتلاك العراق سلاح دمار شامل، حينها اكتشف العالم أجمع وبإقرار واضح من الأميركيين أنفسهم عدم صحة الادعاءات واعتمادهم التلفيق والكذب كما هو حاصل اليوم مع الدول نفسها التي تتبنى اتهام إيران بتفجير الناقلات.
حادث التفجير وقع أثناء الزيارة التاريخية لرئيس وزراء اليابان شينزو آبي إلى طهران، وهي الأولى منذ 40 سنة، حاملاً رسالة تفاوض من الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجهة للقيادة الإيرانية أراد من خلالها الالتفاف على تحريض أركان البيت البيض على إيران المستمر منذ هجمات الشهر الماضي في الخليج العربي. وليس مصادفة حتماً أن تستهدف ناقلة نفط يابانية بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى إيران، التي تعتبر دليلاً على وجود نية مبيتة بقطع الطريق أمام أي تواصل أو نجاح أي تفاوض إيراني أميركي.
لم تجد الإدارة الأميركية إلا توجيه الاتهام لإيران بأنها مسؤولة عن الهجمات على ناقلتي النفط، وهذا ما يرضي صقور إدارة ترامب وكذلك حلفاؤه في الدول الخليجية.
وفي مراجعة لمواقف الدول المؤيدة لتوجيه ضربة أميركية إلى إيران والدول المتحفّظة والدول المعارضة.
– الرئيس الأميركي ورغم استخدامه أسلوب الضغط العالي فإنه لا يريد الحرب معها وهو بنبرته وتهديده يبتز دول الخليج بصفقة أسلحة أميركية جديدة لمصلحة السعودية والإمارات تقدر بـ400 مليار دولار أميركي.
– داخل إدارة البيت الأبيض، يبدو أن الصقور، مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو وعدداً من المتشددين، يبذلون جهوداً كبيرة لتوريط الولايات المتحدة بعمل عسكري يستهدف إيران، تنفيذا لرغبة العدو الإسرائيلي وطمعاً بالحصول على عقود مغرية في الخليج.
– دول الخليج العربي تتهيّب المواجهة الشاملة مع إيران، لكنها تريد من الولايات المتحدة استخدام قواتها لتوجيه رسالة عسكرية قوية إلى إيران لإضعاف نفوذها تؤدي إلى وقف دعمها للحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان.
– إسرائيل تنتظر اللحظة التي تستطيع فيها توريط أميركا بعمل عسكري بالخليج وهي تتعاون مع صقور إدارة ترامب والدول الخليجية بهدف توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
– الدول الأوروبية، خصوصاً ألمانيا وفرنسا، تتحفّظ على القيام بأي عمل عسكري يستهدف إيران، وهي تتخوّف من تداعيات احتدام الصراع في المنطقة، فضلاً عن أنها مقتنعة بأن هناك نفخاً في أبواق الحرب وأن هناك اتهامات لإيران لا تستند إلى معطيات، وفضلاً عن أن الدول الأوروبية حانقة على ترامب بسبب حشرها في قضية الملف النووي الإيراني.
– روسيا والصين، ترفضان بشدّة أي عمل عسكري يستهدف طهران، ويؤكّدان أن الأزمة افتعلتها الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي يجب على الرئيس الأميركي التفتيش عن طريقة لإخراج نفسه من هذا المأزق الذي أوصل نفسه إليه.
وفق خريطة المواقف هذه، يبدو الصراع محتدماً بين المؤيدين والمعارضين لرفع وتيرة المواجهة العسكرية. لكن ذلك لا يعني أن المواجهة حتمية، خصوصاً أن تداعياتها ونتائجها ستكون كبيرة جداً على كل المنطقة، وهذا ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حين قال «واهم من يعتقد أن أي عمل عسكري ضد إيران سيبقى محصوراً بالحدود الإيرانية» وهذا ما تخشاه الدول الخليجية التي تراقب مخاطر احتدام الصراع الأميركي ـ الإيراني وانعكاساته عليها، وهي التي تعاني وطأة تورّطها في حرب اليمن وارتداداتها عليها.
من هنا، فإن الصواعق التي تنفجر في مياه الخليج، ما تزال منضبطة وتحت سقف الرسائل الساخنة، وليس هناك ما يوحي أن الانفجار حتمي، خصوصاً مع وجود مؤشرات على تفعيل نشاط التفاوض عبر القنوات الخلفية، إن ما نراه من توتر وتصعيد ربما يؤدي إلى فتح كوّة في جدار الأزمة، تماماً حين جاء الكلام الإيراني جواباً عن تصريح الرئيس الأميركي في اليابان حين قال: لا نية للحرب ضد إيران ولا يريد الأذية لها ولا يخطط لتغيير النظام بإيران بل إن ما يهمه هو التأكد من عدم قدرة إيران على إنتاج السلاح النووي.
الجواب الإيراني لم يتأخر وجاء الرد على لسان القائد الأعلى للثورة في إيران السيد على خامنئي أثناء استقباله رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي حيث قال: إن إيران لا تمتلك السلاح النووي ولا نية لإيران إنتاج أي سلاح نووي وإن إيران سبق لها أن أصدرت فتوى تحريم إنتاج أو استخدام أي نوع من السلاح النووي.
الملاحظ أن الجواب الإيراني وجه للياباني أي الجهة نفسها التي انطلق منها موقف ترامب والجهة نفسها التي حملت رسالة ترامب لإيران.
وعلى الرغم من امتناع القيادة في إيران عن استلام رسالة ترامب فإن كلام السيد علي خامنئي الموجه إلى رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، كان بمنزلة سلم النجاة لترامب يساعده على النزول من أعلى الشجرة، الأمر الذي اعتبر الكوة التي فتحت بجدار المفاوضات ولو عبر الإعلام إلا أنها كوة لم تزل بحاجة إلى توسعة ودراية وعناية تسمح لحجم ترامب الضخم بالمرور عبر تلك الكوة.
وبانتظار مرور ترامب تبقى مياه الخليج الباردة في حالة تبادل للرسائل الساخنة بين إيران وأميركا.