اهتزّت التسوية السياسيّة التي تحكم البلاد منذ العام 2016 في الاسابيع الماضية لكنها لم تقع. هي ستهتز على الارجح مرارا وتكرارا في المرحلة المقبلة، وبخاصة مع فتح باب التعيينات واحتدام السجال حول ملفّ النازحين، لكنها ستبقى صامدة نتيجة حرص كل الفرقاء وعلى رأسهم تيار "المستقبل" كما "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" على استمراريتها تبعا لمصالح كل منهم، التي تتلاقى في هذه المرحلة على استمراريّة الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري.
فكما ان البقاء على رأس السلطة التنفيذيّة حاجة ملحّة للزعيم السنّي الشاب الذي قد يقضي على مستقبله السياسي في حال قرّر في هذه الظروف اخلاء الساحة لسواه، فهو أيضا أكثر من حاجة ملحّة سواء للعونيين أو "حزب الله". اذ يتعامل الحليفان مع الحريري كـ"كنز من ذهب" يتمسكان به، وهو ما عبرا عنه ومارساه بالفعل خلال أزمته في المملكة العربية السعودية، بعدما أيقنا أنْ لا بديل عنه رغم كل ملاحظاتهما على آدائه ومواقفه في بعض المراحل. هذا ما تقوله مصادر في قوى 8 آذار لافتة الى ان الحريري حاليا هو "نقطة تقاطع الممكن" بغياب أية شخصيّة أخرى قادرة على ملء اي فراغ قد يتركه، وهو ما يدركه أخصامه وحلفاؤه على حد سواء، فالأوائل وبخاصة "حزب الله" يعتبر أن رئيس حكومة محسوب عليه وعلى فريقه السياسي لن يخدمه كما يفعل الحريري، من حيث يدري أو لا يدري، كما ان حلفاء "المستقبل" هم بدورهم ورغم كل اعتراضاتهم على ما يقولون انه رضوخ لانقضاض فريق معين على صلاحيات رئاسة الحكومة، لا يرون من قد يملأ من فريقهم السياسي مكان الحريري سواء في الشارع السني في لبنان او في المنتدى الاقليمي والدولي، وهو ما رضخت له ايضا بعض الدول التي ظنّت لوهلة انها قادرة على الاطاحة به ليتبيّن لها ان لا بديل عنه.
وبناء على هذه الحسابات وغيرها، حسمت القوى السياسية مجتمعة أمرها الاسبوع الماضي لتنطلق مجددا في عمليّة شدّ أواصر التسوية السياسية وتمتينها. فالحريري وبمؤتمره الصحافي الاخير اعتمد سياسة "ضربة عالحافر وضربة عالمسمار" لارضاء شارعه وحلفائه، لكنه بالوقت عينه آثر الحفاظ على تفاهمه السياسي مع "التيار الوطني الحر" والاستمرار بربط النزاع مع "حزب الله". أما القيادة العونية فهي الأخرى لم تضع نفسها في موقع اللهاث وراء اتمام الصلحة مع الحريري، لكنها في الوقت عينه مدّت يدها لملاقاة يده، ليكون كل الأطراف بذلك، وبحسب المصادر، تراجعوا خطوة الى الوراء من منطلق أنه الحل الوحيد القائم بالنسبة لهم وان كان حل الأمر الواقع.
والواضح ان ليس من هو معني مباشرة بالتسوية هو الوحيد المتمسك بها، اذ تدرك القوى السياسية الاخرى ايّ "القوات" و"أمل" و"حزب الله" وغيرهم ان انهيارها سيعني الدخول في نفق يهدد اسس البلد ككل، خاصة ونحن على أبواب ورشة كبيرة على الصعيد الاقتصادي انطلق العمل بها باقرار الحكومة موازنتها التقشفيّة.
فهل تكون الهزّات السياسيّة المقبلة أشدّ وقعا على التسوية من الهزّات التي تم تخطيها ما يؤدي الى تصدّع أساساتها وتداعيها من دون رغبة مباشرة لأيّ من الفرقاء؟ ام تكون التجربة الأخيرة كفيلة بدفع كل الاطراف لاعادة حساباتهم أكثر من مرة قبل الاندفاع باتجاه موقف أو آداء معين يهدد هذه التسوية التي يبدو أنها تحولت مصيرية لضمان استقرار البلد؟!.